"ليت «أسماء» تعرف أن أباها صَعَدْ لم يمت/ هل يموت الذى كان يحيا/ كأن الحياة أبدْ!/ وكأن الشراب نفدْ!"، حين تكون صديقًا مقربًا لشخص ما ربما تحزن بشدة إلى رحيله، لكن عندما رحل يحيى الطاهر عبدالله، اشعل غصة شديدة فى قلب محبيه، ولأنه كان شاعرا فى كتابة قصصه، كان لابدا أن يرثيه شعراء، فكانت تلك الكلمات السابقة للشاعر الكبير أمل دنقل.
يحيى الطاهر عبد الله، القاص الكبير، والذى يلقب بشاعر القصة القصيرة، والتى تحل اليوم ذكرى رحيله الـ37، إذ رحل فى 9 أبريل 1981، على أثر حادث سيارة على طريق القاهرة الواحات، ودفن فى قريته الكرنك بالأقصر.
فى عام 1964، انتقل يحيى الطاهر عبد الله إلى القاهرة، وكان ذلك بداية قصة وعلاقة صداقة كبيرة ترابطه بأمل دنقل وعبد الرحمن الأبنودى، وكان مع موعد ليقدمه لأول مرة يوسف إدريس.
يحيى الطاهر عبدالله
قدمه يوسف إدريس فى مجلة (الكاتب) ونشر له مجموعة محبوب الشمس بعد أن قابله واستمع اليه فى مقهى ريش، وقدمه أيضًا عبد الفتاح الجمل فى الملحق الأدبى بجريدة المساء مما ساعد على ظهور نجمه كواحد من أبرز كتاب القصة القصيرة، وكتب يحيى الطاهر بعض القصص لمجلة الأطفال (سمير).
يوسف ادريس
وحين رحل فجاءة "الطاهر عبدالله" نعاه أدريس وكتب فى رثائه مقالة بعنوان (النجم الذى هوى) ونشرت بالأهرام فى 13/4/1981، فقال فيها: "حين رأيته كان قادماً لتوه من أقصى الصعيد من قرية الكرنك بجوار الأقصر وكان نحيلاً كعود القمح حلو الحديث والمعشر كعود القصب فتان القامة والبنية واللمحة وذلك الخجل الصعيدى الشهم الذى لا تخطئة عين".
الابنودى
الأبنودى الرفيق، الذى رافق "يحيى" فى بدايته فى القاهرة، واستمر معه حتى بعد انتقال أمل دنقل للإسكندرية، وأقاما فى شقة بحى بولاق الدكرور، حزن وهو الآخر واختار الشعر ليكون رسالة لوداع الصديق، فكتب عنه قصيدة "عدودة تحت نعش يحيى الطاهر عبدالله" وقال:
يا يحيى يا عجبان يا فصيح.. يا رقصة يا زغروتة
إتمكن الموت من الريح.. وفرغت الحدوتة
كنا شقايق على البُعد.. وع القُرب شأن الشقايق
أنا كنت راسم على بُعد.. وخانتنى فيك الدقايق
حرة كطير البرارى.. أسماء وعاش المسمى
دلوقت بتنام جوارى.. فى فرشتك يا ابن عمى
أبويا مات السنة دى.. وأمى بتموت وتحيا
ما مد لى الموت أيادى.. إلا فيك إنت يا يحيى
آخر حروف الأبجدية.. أول حروف اسم يحيى
للموت كمان عبقرية.. تموت لو الاسم يحيى
أما الراحل أمل دنقل، فكان خبر الوفاة عليه كالصاعقة، فوصفت زوجة أمل الكاتبة عبلة الروينى، قائلة: "لم يشترك فى كل مراسم غيابه، لم يسأل عن الأسباب، لم يكلم فى تفصيلات الموت، لم يثرثر –بشكل عاطفى- حول يحيى كما كنا نفعل.(إن يحيى خاص بى وحدى) قالها وبكى.. كانت هى المرة الأولى التى أرى فيها دموع أمل."
أمل دنقل
بعدها رثا "أمل" صديقه الراحل فى واحدة من أجمل قصائده "الجنوبى"، وقال :
ليت أسماء تعرف أن أباها صعد
لم يمُتْ
هل يموت الذى كان يحيا
كأن الحياة أبد
وكأن الشراب نفد
وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد
عاش منتصباً، بينما
ينحنى القلب يبحث عما فقد