ليس متوقعاً أن ينتهى قريباً الصراع الصاروخى الدائر بين الميلشيات الإيرانية في سوريا والجيش الإسرائيلى، فقد ارتضى الطرفان فيما يبدو أن تكون الأرض السورية ساحة للصراع بين الطرفين، لأسباب واعتبارات عدة أولها عدم رغبتهما في خوض حرب مفتوحة أو توسيع نطاق الصراع، فارتضيا بصيغة الصواريخ المجهولة/ المعلومة، التي يعرف كل منهما موقع انطلاقها جيداً! ولكن هذه الحسابات قد تسقط أو تنهار تحت ضغط ظروف معينة.
الصواريخ الإسرائيلية تضرب أهداف إيرانية في العمق السوري، وقيل إن هناك صواريخ إيرانية أطلقتها ميلشيات تابعة لنظام الملالي أو وكيلة له في سوريا باتجاه هضبة الجولان المحتلة، وأن نظام القبة الحديدية قد فشل في صد البعض من هذه الصواريخ بحسب وزير الدفاع الإسرائيلي الذي قال إن البعض من هذه الصواريخ تم اعتراضه وأن بعضها الآخر لم يضرب الأهداف التي يقصدها، ما يعني أنه أفلت من القبة الحديدية!
استراتيجية الضربات المحدودة تنبئ عن توافق غير مباشر بين إيران وإسرائيل، فالأولى لا تريد التصعيد خشية تعرض أراضيها لضربة جوية وصاروخية مباشرة من إسرائيل بدعم أمريكي صريح، فالملالي يدركون أن فتح جبهة إسرائيل يعني الدخول في مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة وإسرائيل معاً، ما يضع مصير النظام الإيراني ذاته في مهب الريح!
إسرائيل أيضاً لا تريد مواجهة مفتوحة أو صراع عسكرى كبير مع إيران، وتكتفى بالضغط من أجل تحسين شروط التفاوض الخاصة بالنفوذ الإيرانى فى سوريا، فما يهم إسرائيل هو الحصول على تعهدات من الراعي الأكبر (روسيا) بخروج الميلشيات الإيرانية من سوريا، وما يهمها أيضاً أن تكف يد إيران عن المساس بأن إسرائيل وألا يتوهم الحرس الثورى أن القرب الجغرافى من إسرائيل يعنى إمكانية توجيه ضربات تهدد أمن الإسرائيليين!
الإشكالية أن الضربات الصاروخية الإسرائيلية ـ رغم محدوديتهاـ تفرز حسابات استراتيجية لا يمكن السيطرة عليها، فهي تقتل إيرانيين أغلبهم خبراء ومستشارين في الحرس الثوري الإيراني، ومن ثم تضع نظام الملالي في اختبار صعب للغاية، وتضعه في مواجهة اختبار صدقية للشعارات الأيديولوجية الزائفة التي يتاجر بها منذ عام 1979، فها هو بات أقرب جغرافياً لإسرائيل، ومن ثم بات مطالباً ـ في نظر مؤيديه في الداخل ـ بوضع شعارات العداء لإسرائيل في إطار التنفيذ ومحوها من الوجود كما يحلو لرموزه أن يرددوا دائماً!
هنا تبقى هذا الحسابات عامل ضغط هائل على أعصاب نظام الملالي، لاسيما فى ظل فشل السياسات الاقتصادية التي استنزفت مليارات الشعب الإيراني ولم تحقق سوى الخسائر والانتصارات الزائفة في العراق وسوريا واليمن، بينما الحقيقية تشير إلى نزيف قاتل للاقتصاد الإيرانى الذى يعانى بشدة جراء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى، ومن ثم عودة العقوبات الدولية على إيران.
إسرائيل من جانبها لا تستطيع العيش فى ظل وجود ميلشيات الحرس الثورى فى سوريا، ولن ترضى بذلك مطلقاً مهما كلفها ذلك من خسائر مادية، فحكومة نتنياهو تبدو جاهزة لخوض حرب وصراع شامل ضد إيران بدلاً من قبول العيش تحت رحمة الخوف من صواريخ الملالي المتمركزة فى سوريا، ولن توافق إسرائيل على بقاء الجنرال قاسم سليماني يتجول بالقرب من الجولان، ويضع الخطط لحزب الله اللبناني كي يستعد للمواجهة مع إسرائيل.
التجربة التاريخية تقول إن إسرائيل لا تستطيع العيش تحت رحمة الخوف والقلق، وأنها تبادر إلى خوض الحروب ونقل الصراع إلى أرض الغير فى حال استشعار أى خطر على شعبها نظراً للعمق الجغرافي الضيق ، الذي يمكن اختراقه بسهولة بالصواريخ، ومن ثم تبدو احتمالات استمرار الصراع المحدود قائمة ومستمرة مع وجود احتمالية عالية جداً لتحول هذا الصراع إلى مواجهة عسكرية أوسع وأكبر وأضخم في حال توافر شروط معينة منها تسبب أي هجمات لأي من الطرفين في وقوع خسائر بشرية كبيرة تدفع أى منهما إلى زاوية حرجة والرد بشكل مباشر على الآخر.
هناك أيضاً احتمالية قائمة لتنفيذ استراتيجية استنزاف للوجود الإيراني في سوريا بحيث تتحول الأرض السورية إلى فيتنام جديدة لإيران، بمعنى تحويلها إلى مستنقع يغرق فيه نظام الملالي، ولكن قناعتي أن الملالي لن يغرقوا في سوريا بل لابد أن يطردوا أو يجبروا على الانسحاب منها، لأن وجودهم هناك يتشكل غالبه في الموارد المالية والمستشارين والخبراء العسكريين والعتاد بينما الاعتماد الأكبر على عناصر شيعية مقاتلة تم جلبها من أفغانستان ودول أخرى ، وبالتالي فلن تكون الدماء التي تسيل هناك عامل ضغط قوي على نظام الملالي، علاوة على أن الضحايا الأكثر سيكونون من بين الشعب السوري الشقيق!
حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني الإرهابي قال منذ أيام أن حرب الأصلاء بدأت بعد هزيمة الوكلاء، فهل يعتبر نفسه من طرفاً أصيلاً ينوب عن إيران في حربها ضد إسرائيل، الأيام والأسابيع الشهور القادمة حبلى بالمفاجآت وستكون سوريا نقطة انطلاق لتشكيل الشرق الأوسط الجديد .
* كاتب إماراتى .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة