بعد 1185 يوما على حادث ذبح 20 من أقباط مركز سمالوط التابع لمحافظة المنيا الإرهابى، الذين استشهدوا داخل الأراضى الليبية، على أيدى تنظيم "داعش" الإرهابى؛ زف الآلاف من أبناء سمالوط رفات الشهداء فى مشهد تعالت فيه أصوات الحزن والفرح على عودة جثامين ذويهم وكأنهم يزفونهم يوم عرسهم .
وكانت دموع أهالى الشهداء حبيسة الأعين فى انتظار تلك اللحظة، وعودة جثامين أبنائهم اللذين فقدوهم إلى الأبد فى المذبحة، وفى الساعة الثانية والنصف صباح اليوم الثلاثاء،تعالت أصوات زغاريد النساء مع هتافات الرجال والشباب "تحيا مصر" داخل أروقة كنيسة شهداء الإيمان والوطن بقرية العور، التقى "اليوم السابع" عددا من أسر وأقارب الشهداء لرصد مشاعر الحزن الممزوجة بفرحة رجوع جثامين ورفات ذويهم داخل كنيستهم.
وقال مكين زكى والد الشهيد ميلاد، الذى كان يبلغ من العمر 26 عاما، إن نجله الشهيد سافر مرة سابقة على الحادث ثم عاد إلى القرية واصطحب ابن عمه معه فى 15 يونيو 2014 وعاد من جديد إلى ليبيا ولم يستمر أسبوعا حتى حدث الاختطاف.
وأشار زكى أن نجله الشهيد ترك خلفه طفلا صغيرا يسمى صموائيل لم يتجاوز 5 سنوات، مضيفا أنه سيقول لابن الشهيد:" والدك بطل والدك شهيد وشجاع شوف سيرته فى العالم فقد أخذ والدك الملكوت".
فيما قال القس يوسف عياد، من أبناء العور وراعى كنيسة بسمالوط، إن عودة أجساد هؤلاء الأبطال الذين تمسكوا بإيمانهم أجمل الأخبار التى تلقتها محافظة المنيا .
وأوضح " عياد"، أن الكنيسة التى أمر ببنائها الرئيس عبد الفتاح السيسى باسم شهداء الوطن والإيمان، هى غالية بين نفوس أسرهم ويقومون بزيارتها بين الحين والأخر ويفضلون صلاة القداسات وجميع مناسبات الكنيسة والطقوس بداخلها لأنها ستظل تخلد ذكراهم العطرة.
أما سمير محلى زاهر والد الشهيد جرجس سمير قال: "نتقدم بالشكر الرئيسى السيسى ونشكر الله ونرضى بإرادة السماء، والشهداء الآن يتواجدون فى السماء وأقول لهم وحشتونا".
وعن حياة الشهيد جرجس قال والده، إنه كان محبًا للكنيسة بل كان شماسا بها سافر إلى ليبيا بحثا عن لقمة العيش ولم يكن يعلم أن ذلك سوف يحدث لأنه سافر إلى ليبيا قبل ذلك، وفى أخر مرة عاد فيها إلى ليبيا لم يمض سوى أسبوعا واحدا بعد رحيله وجاءنا خبر الاختطاف من قبل الجماعات الإرهابية،شعرنا بصدمة كبيرة وكان دائما الاحساس يراودنا أننا لن نراهم من جديد وبالفعل حدث ذلك، وكان الحلم أن تعود أجسادهم إلينا ويدفنوا فى بلدهم حتى نتبارك بزيارتهم كل يوم، وهذا ما قد فعله الرئيس السيسى الذى أعاد الينا الحياة من جديد بعدما تسلمنا أجساد الشهداء.
أما القمص بولا إسحاق ناشد، والذى حرص على الحضور إلى قرية العور بسمالوط للمشاركة فى قداس الوداع للشهداء، قال إن الشهداء هم أبناء مصر وليس العور فقط ونحن خداما فى دولة ليبيا ولكننا جئنا نحتفل ونأخذ البركة من الشهداء، متقدمًا بالشكر للرئيس السيسى على أنه أدخل الفرحة لقلوب أسر الشهداء فى إصراره على عودة الجثامين ودفنها بين أسرهم وفى كنيستهم التى أمر ببنائها لهم.
ومن ناحية أخرى، شهد استقبال الجثامين إقامة قداس كبير بمشاركة المئات من الأهالى وأسر الشهداء وعدد كبير من الكهنة وترأسه مندوب البابا تواضروس، والذى أكد خلال كلمته على أن شهداء يعطون البركة لذويهم بل وللجميع من أبناء الشعب لأنهم ضحوا بأرواحهم من أجل أن يحيا الوطن.
وقال بشرى عطية شحاتة عم الشهيد أبانوب عياد عطية، لـ"اليوم السابع": "أحب اشكر الرئيس عبد الفتاح السيسى وكل قيادات الدولة على المجهودات التى تم بذلها لعودة جثامين ورفات الشهداء من دولة ليبيا وإرسالها إلى قريتهم العور لدفنهم داخل كنيسة شهداء الإيمان والوطن، وإحنا فرحانين والحمد لله".
وأضافت زوجة عم الشهيد أبانوب عياد عطية، لـ"اليوم السابع": "أنا عندى أكثر من 3 شهداء أقاربى، وبرغم الحزن على فراق الشهداء إلا أننى فرحانة بعودة جثامينهم الطاهرة لأرض الوطن مصر، ودفنهم داخل كنيسة الإيمان والوطن بالقرية لتخليد ذكراهم، موجهة رسالة إلى الجماعات الإرهابية قائلة: "إحنا مش زعلانين ومهما تحاولوا تزرعوا فتنة بين نسيج الشعب المصرى فلن تستطيعوا ذلك، وإحنا فرحانين أن شهدائنا فى السماء الطاهرة".
وأشارت زوجة الشهيد لوقا نجاتى أنيس إلى أن الجميع فرحين بقرية العور بعد وصول جثامين ورفات الشهداء إلى مسقط رأسهم ودفنهم بداخل الكنيسة، بعد انتظار 3 سنوات على وفاتهم ونوجه رسالة للرئيس السيسى، أنت وعدت وأوفيت بوعدك بأخذ حق أبنائنا وعودة جثامينهم إلى مصر.
وقال إبراهيم سنيوت والد الشهيد "ملاك": "بنشكر ربنا بعودة جثامين الشهداء إلى وطنهم وأيضا أشكر الرئيس السيسى، على عودة الجثامين وده فخر لينا جميعا، وابنى كان ذاهبا إلى ليبيا للعمل فى مهنة نجار مسلح، من أجل مساعدتى وأخواته فى الحياة، لكن نحمد الله على كل شىء".
فى سياق متصل، قاد المرتل الشماس عماد ثابت أحد الناجيين من تفجير الكنيسة البطرسية، تسبحة صلوات الجنازة، وذلك قبيل بدء قداس الجنازة الذى يترأسه أنبا بفنوتيوس مطران سمالوط.
فيما ردد زوار الكنيسة مديح شهداء ليبيا للشماس بولس ملاك.
وفى ذات السياق ناشد أهالى وأسر شهداء ليبيا الأنبا بفنوتيوس مطران مركز سمالوط بمحافظة المنيا، بوضع رفات جميع الشهداء داخل المقصورة التى أعدت لهذا الغرض وعدم السماح للآباء الكهنة داخل وخارج المطرانية بأخذ جزء من الرفات لأن أصحابها استشهدوا معًا ويجب أن يظلوا داخل مكان ومزار واحد بداخل كنيسة شهداء الإيمان والوطن التى تحمل أسماءهم وتخلد ذكراهم بقرية العور مسقط رأس 13 من الشهداء.
وقام الأهالى بإرسال طلبًا إلى الأنبا بفنوتيوس مطران مركز سمالوط وطحا الأعمدة فى محافظة المنيا، وجهوا فيه الشكر له لاهتمامه برفات شهداء الإيمان، وعمل مزار لهم وصفوه بالجميل داخل الكنيسة المتميزة التى بنيت عقب استشهادهم.
وأدى مئات الأقباط صلوات تمجيدات تسابيح داخل المزار المخصص لوضع رفات الشهداء الأقباط بداخله، وشارك فى الصلوات عدد كبير من القساوسة والشباب والسيدات الأطفال وأسر الشهداء، فيما لم تتوقف أجراس الكنيسة طوال إقامة الصلوات.
وكثفت الأجهزة الأمنية من تواجدها بمحيط كنيسة شهداء الإيمان والوطن بقرية العور بمركز سمالوط بالمنيا، قبل عودة رفات الشهداء والتى من المقرر إقامة قداس الصلاة فى العاشرة من صباح اليوم الثلاثاء، برئاسة الأنبا بفنوتيوس مطران سمالوط وتوابعها، وعدد من أعضاء المجمع المقدس للكنيسة، قبل أن يتم وضع جثامينهم فى المزار الذى أعد لهم خصيصا بكنيسة "شهداء الإيمان والوطن" بقرية العور بسمالوط، وهى مسقط رأس معظم الضحايا.
وعلق الأهالى لافتات بمدخل كنيسة شهداء الإيمان والوطن، موجهين الشكر والتحية والتقدير للرئيس عبد الفتاح السيسى على المجهودات التى بذلتها الدولة والقوات المسلحة فى العثور على جثامين ورفات الشهداء وعودتهم إلى الدولة مرة أخرى.
وكانت مطرانية سمالوط أنهت استعداداتها الخاصة لوضع رفات الشهداء الذين يجرى نقلهم للمنيا حاليا، حيث تم تجهيز المدفن الخاص بهم فى مقدمة قاعة الكنيسة داخل غرفة كبيرة، بها مقصورة زجاجية تضم صورا للشهداء، ويتم وضع رفاتهم بها.
واستقبل البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بمطار القاهرة الدولى، رفات 20 شهيدًا من أبناء الوطن الذين استشهدوا فى ليبيا، على يد عناصر تنظيم داعش الإرهابى، وكان برفقته الأنبا بفنوتيوس مطران سمالوط وتوابعها.
وحرص عدد من أهالى الشهداء، على التوافد لمطار القاهرة لاستقبال رفات ذويهم، تزامنا مع وصول البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، للمطار.
واستقبل أهالى الشهداء الرفات "بالزغاريد" وبهتاف "نورتوا مصر"، فيما أعلنت الكنيسة القبطية أن سيارات الإسعاف، ستنقل رفات شهداء ليبيا من مطار القاهرة إلى سمالوط بالمنيا، بحضور لفيف من الآباء المطارنة والأساقفة والمسئولين، على رأسهم البابا تواضروس.
وأكدت السفيرة نبيلة مكرم، على أن مشاركتها استقبال رفات شهداء الوطن كوزيرة للمصريين بالخارج، هو استقبال رسمى وإنسانى، لافتة إلى أن صلاة الجنازة التى ترأسها قداسة البابا بأرض المطار بمشاركة عدد كبير من الأساقفة والكهنة هى بركة كبيرة للشهداء.
وأشارت "مكرم"، إلى التسهيلات الكبيرة التى قدمتها سلطات المطار لوصول الرفات ومتعلقات شخصية لشهداء الوطن.
من جانبه، قال الأسقف اسطفانوس، أسقف ببا والفشن ببنى سويف، إن الرئيس عبد الفتاح السيسى اهتم بأبناء الوطن ضحية الاعتداء الوحشى فى سرت بليبيا منذ البداية، ووعد بأنه سيرد على ما حدث وكان رده سريعًا، وتابع: "الرد كان سريعا والرئيس وعد فأوفى كعادته"، مشيرا إلى مشاعر استقبال رفات المصريين الأقباط ضحية الإرهاب بها فرح وحزن.
وأوضح "اسطفانوس"، أن الفرح يكون بعودة رفات هؤلاء الشهداء إلى موطنهم مصر، أما مشاعر الحزن فهى المتعلقة بتجديد المشاعر الإنسانية بتذكر استشهادهم.
وأكد أسقف بابا والفشن، على أن سياسة الإرهابيين منفذى حادث سرت غير إنسانية، متابعًا: "حتى الحيوانات لا يفعلون ذلك.. لم نشاهد حيوانا مفترسا يفترس حيوانا مثله.. ولكن هؤلاء فقدوا العقل والعاطفة والمشاعر، ونصلى لهم ربنا يرجعهم من طريق الهلاك ويرجع ليهم قلبهم وعقلهم.. ونقدم مزيدا من الشكر للرئيس على اهتمامه بالشعب المصرى حتى وإن كانوا خارج أرض مصر".
كما توافد المئات من أهالى قرية العور، على مزار شهداء ليبيا داخل كنيسة "شهداء الإيمان والوطن" بعد انتهاء القساوسة والكهنة من وضع رفات 20 شهيدا داخل مدفنهم بالكنيسة والتبرك بأيقونات الشهداء، داخل المقصورة المخصصة للرفات.