لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بـ"الفاروق"، لأنه فرق الله به بين الحق والباطل، وكانت التفرقة بينها بمثابة مبدأ له، وكان يرى دوما أن الحق لا يجب أن يختبىء خوفاً من الباطل، إنه عمر بن الخطاب، ثانى الخلفاء الراشدين.
"الفاروق"، تولى القضاء في عصر أبى بكر الصديق، وخلافة الصديق استمرت سنة وبعض الشهور، ومرت سنة كاملة خلال فترة قضاءه ولم يأت إلى عمر صاحب قضية، حتى إن"عمرا" قال له أعفنى من هذه المهمة فأمة محمد بما فيها من رجال ونساء يعلمون ما لهم وما عليهم فأدى كل ذى حق حقه سواء له أو عليه"، وأراد أن يعتزل لأنه لم تأته أى قضية.
من أبرز الروايات التي تؤكد عدله فى كل شىء سواء حكمه أو فى القضايا التى يتولى الفصل فيها، حينما اتجه رسولا من الفرس إلى المدينة المنورة، ليرى كيف يعيش ملكها وكيف يتعامل مع شعبه، ولما وصل واستدل على بيت الخليفة، وجده مبنيا من طين وعليه شعر ماعز وضعه عمر لكى لا يسقط المطر فينهدم البيت على رأسه وأولاده، ولما سأل عن الخليفة، أشار الناس إلى رجل نائم تحت ظل شجرة، وفى ثوبه عدد من الرقع، وبدون أى حراسة، فتعجب من هذا المنظر ولم تصدق ما رأته عيناه وتذكر كسرى فارس وقصوره وحرسه وخدمه، فقال قولته الشهيرة "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر".
فصل وعدل "الفاروق" فى القضايا كان كثيرا، فمن بين الوقائع التى يذكرها التاريخ، أن رجلا قبطيا أتاه يوما من مصر، يشكو إليه ضرب أحد أبناء عمرو بن العاص لابنه الذى كان يعمل فى خدمته، عندما كانا يتسابقان على ظهر الخيل، معتمدا على سلطان والده عمرو والى مصر، فقرر الرجل رفع الأمر إلى خليفة المسلمين الذى سمع بعدله مع الجميع، حتى يأخذ بحق ولده، ولما تبين لعمر صحة كلامه، كتب إلى عمرو بن العاص أن يحضر ومعه ابنه، فلما حضر الجميع أمامه، ناول عمر الغلام القبطى سوطا وأمره أن يقتص لنفسه من ابن عمرو بن العاص، فضربه حتى رأى أنه قد استوفى حقه وشفا ما فى نفسه، ثم قال له عمر"لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك لأن الغلام إنما ضربك لسلطان أبيه"، ثم التفت إلى عمرو وقال عبارته الشهيرة:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟".
ويقول الدكتور عبد المقصود باشا، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن أبى بكر الصديق، عهد وبايع الناس على من فى الكتاب دون أن يعلمهم أنه عمر بن الخطاب فكان "الفاروق" خليفة وقاضيا ومحتسبا وغير ذلك من وظائف الدولة، متابعا "الفاروق" كان حريصا على الأمة ويقول دائما:" أخاف النوم بالليل فأضيع حق ربى وأخاف النوم بالنهار فأضيع حق أمة محمد."
وأضاف، أن الفاروق عاش عيشة البسطاء، حتى إن امرأته كانت ترفع صوتها عليه فى بعض الأحيان، وحدث أن جاءه صاحب شكوى يريد أن يشتكى امرأته إلى عمر، فقيل له إنه في بيته، فذهب إلى بيته، وحينما اقترب من الباب، وهم بطرقه، سمع امرأته ترفع صوتها عليه، فقال الرجل:"امرأة عمر ترفع صوتها عليه وأنا أتى إليه لاشتكى امرأتى فانصرف دون أن يشتكى لعمر، مؤكدا أنه اشتهر بالقضاء الحازم الحاسم."
وتابع، سيدنا عمر ضرب المثل الأكبر فى إنصاف المظلومين، وكان ينفذ مقولة أبى بكر القوى فيكم ضعيف عندى حتى أخذ الحق منه، والضعيف منكم قوى حتى أتى الحق له، متابعا "أكبر دليل على قضاءه بالعدل قضاءه على نفسه بأن يأكل بالزيت فى عام الرمادة خلال فترة خلافته سيشهد له التاريخ بالعدالة المطلقة، والضمير المتناهي في الصفات".
الدكتور سيف رجب قزامل، أستاذ الفقه المقارن وعميد كلية الشريعة والقانون بطنطا، وجامعة الأزهر السابق، عضو المنظمة العالمية لخريجى الأزهر، يقول إن سيدنا عمر كان يتولى القضاء بنفسه لأنه قاض عادل، ومن بين المواقف التى تدل على ذلك حينما زنا رجل بامرأة، وكان لهذه المرأة ولد من زوجها رآها وهى تزنى، فاتفقت مع عشيقها على قتل ابنها، كى لا يفضح أمرها، فقتلوه واستعانوا بآخرين وأصبح عدد القتلة 7 فأسندت القضية لسيدنا عل بن أبى طالب، فاحتار فى الأمر لأن القرآن يقول "النفس بالنفس"، فطرح الأمر على سيدنا عمر بن الخطاب فجمع كبار الصحابة، ولم يستقل برأه وقال قولته الشهيرة:" والله لو اجتمع أهل صنعاء على قتله لقتلتهم جميعا"، وبالفعل تم قتل جميع قتلة الابن.
وأضاف، أن رأى سيدنا عمر كان صائبا حيث أن هناك عدد كبير من الآراء منها ما يقول "يقتل أحد القتلة ويأخذ الدية من البقية"، أو"تجرى قرعة على من يقتل من القتلة ويأخذ من البقية دية " وغير ذلك من الآراء، موضحا أن هذا يسهل أن تكون عملية القتل باتفاق لكن سيدنا عمر وضع قاعدة أساسية وهى أن كل من يقتل نفس يقتل مهما كان عدد من شارك فى القتل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة