الملاذات الضريبية، أو الجنات الضريبية بالتعبير الدارج أغلبها مناطق نائية وجزر هادئة ليس بها الكثير من السكان ولكنها تؤوى تريليونات الدولارات الهاربة من الدول النامية التى يعانى سكانها من أجل حياة كريمة، ولكن تخرج ثرواتها لتختبئ فى هذه الملاجئ ليستمتع ناهبوها وسارقوها برغد الحياة، وتعانى الشعوب فى المقابل.
ومنذ عامين كشف تحقيق صحفى أجراه فريق عالمى من الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين، بعنوان "وثائق بنما" النقاب عن حسابات سرية خارجية لرؤساء دول وشخصيات سياسية ورياضية وعامة بارزة فى العديد من دول العالم، عبر تسريب 11.5 مليون وثيقة من مكتب المحاماة الشهير موساك فونسيكا فى جزيرة بنما، والذى ساعد العديد من الشخصيات على التهرب الضريبى من خلال ملاجئ ضريبية، وقد آثار هذا التحقيق ضجة هائلة عندما تم الكشف عن تفاصيله من خلال 100 مؤسسة صحفية شاركت فى أعداده، ولكن فى الحقيقة لم تتخذ الدول إجراءات واضحة لمنع استمرار هروب الأموال إلى الملاجئ الضريبية.
ولكن بعد مرور عامين كاملين من نشر هذا التحقيق، وتحقيق آخر يدعى أوراق الجنة كشف عن قائمة أخرى من الحسابات السرية للمشاهير فى الملاجئ الضريبية، أعلنت حكومة المملكة البريطانية المتحدة، أنها ستجبر الجزر التابعة للتاج البريطانى على الكشف عن المالكين النهائيين أو الحقيقيين لهذه الشركات فى هذه المناطق والتى تعد من الملاجئ الضريبية مثل جزر العذراء البريطانية، وجزر الكايمان وهى خطوة أولى نحو كشف هذا العالم السرى ووقف الممارسات التى يتعبها ناهبو ثروات الشعوب.
وتتيح هذه الجزر وغيرها من دول الملاجئ الضريبية، سهولة تأسيس الشركات بأسماء وهمية، وفتح حسابات بنكية سرية، ولا تخضع هذه الاستثمارات لأى ضرائب وبعضها يخضع لضرائب منخفضة، لذا تفض كثير من كبرى الشركات العالمية نقل مقارها الرئيسية إلى إحدى دول الملاذات الضريبية حتى تتجنب الشركة دفع الضرائب، وتقوم الشركات بعمليات تحويل الأرباح إلى فروعها فى الملاجئ الضريبية وتحويل الخسائر إلى المقرات الموجودة بالدول الخاضعة للضرائب، وهو ما جعل الدول الكبرى تخسر الكثير من أموال الضرائب التى كان من المفترض أن تسددها هذه الشركات لحكوماتها، لصالح الملاجئ الضريبية التى تهرب إليها الأموال سواء الناتجة عن عمليات شرعية أو أعمال غير شرعية مثل غسل الأموال والتجارة غير المشروعة.
وتقدر شبكة العدالة الضريبية حجم الثروات المالية الخاصة التى لا تخضع لأى ضرائب حول العالم بنحو 32 تريليون دولار، وتستخدم ملاذات السرية المالية فى جذب تدفقات مالية مشروعة وغير مشروعة.
وقدرت التدفقات المالية غير المشروعة عبر الحدود بما يتراوح بين 1 و1.6 تريليون دولار سنويا، وهذا يقلل المبالغ الموجهة كمعونات عالمية والمقدرة بنحو 135 مليار دولار.
وتعد أفريقيا هى الخاسر الأكبر من هروب الأموال إلى الملاذات الضريبية أو ملاجئ السرية المالية كما يطلق عليها، فمنذ السبعينيات فقدت البلدان الأفريقية وحدها أكثر من تريليون دولار فى هروب رؤوس الأموال، فى حين أن ديونها الخارجية مجتمعة تقل عن 200 مليار دولار، بحسب الشبكة، وهذا يعنى أن أفريقيا دائن صاف رئيسى للعالم بأكلمه، ولكن ثرواتها فى يد نخبة ثرية، ويتحمل الفقراء وحدهم ديون بلادهم.
هذا لا يعنى أن دول أفريقيا أو الدول النامية والفقيرة هى وحدها من يتحمل ضريبة هروب الثروات ورؤوس الأموال إلى ملاجئ السرية المالية، ولكن جميع البلدان الغنية أيضا تعانى، فدول أوروبية مثل اليونان وإيطاليا والبرتغال تعانى كثيرا من التهرب الضريبى والتجنب الضريبى الذى يؤدى إلى نهب ثروات الدولة.
ويرى تقرير للاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين، أن ما تعتزمه بريطانيا هو انتصار للشفافية، لأن السرية المالية تشجع الفساد والتهرب الضريبى وغسل الأموال والجرائم فى جميع أنحاء العالم.
وقال دنكان هيمز من منظمة الشفافية الدولية فى المملكة المتحدة خلال التقرير، إن هذه الملاجئ الضريبية أو ما يطلق عليه "الولايات القضائية السرية" كان حجر عثرة أمام دفاعات المنظمة ضد الأموال القذرة، وقالت جلوبال ويتنس، وهى منظمة غير ربحية ضد الفساد، أن تدخل المملكة المتحدة كان فوزا كبيرا فى مكافحة التهرب الضريبى من الفساد وغسل الأموال.
وعلى الرغم من أن عدد سكان جزر فيرجن البريطانية يقل عن 31000 نسمة، إلا أنه يوجد حاليا حوالى 417 ألف شركة نشطة فى سجلها، لديهم أصولا فى جميع أنحاء العالم بقيمة تقدر بنحو 1.5 تريليون دولار، وهى حقائق مفزعة توضح حجم الموال المهربة لمخبئ واحد فقط.
وتشمل الأقاليم الـ14 التابعة للمملكة المتحدة جزر أنجيلا، وجبل طارق، وبرمودا، ومونتسيرات، وجزر تركس، وكايكوس، وتختلف علاقتهما الدستورية مع المملكة المتحدة اختلافا طفيفا عن علاقة تبعيات التاج فى جيرزى، وجيرنزى، وجزيرة أوف مان، ولا يخضع أى منها للقواعد الجديدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة