تعانى مصر منذ سبعينيات القرن الماضى من عجز كبير فى الميزان التجارى، إذ تبلغ وارداتها حجما أكبر من صادراتها، وبحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فإنه وفى عام 2001 كان عجز الميزان التجارى فى مصر قد بلغ 34 مليون جنيه، ويمكنك أن تتخيل التحذيرات من هذا العجز الكبير، لكن ما لم يعرفه أحد وقتها، أنه وبعد 15 عاما سيصل هذا العجز فى الميزان التجارى سيصل عام 2016 إلى ما يبلغ 447 مليارا و355 مليون جنيه، أى ما يقرب من نصف تريليون جنيه، قبل أن تبدأ الدولة فى اتخاذ قرارات حاسمة للسيطرة على الوضع.
ولعل واحدة من أكبر الزيادات فى هذا العجز كانت فى العام الذى تلى ثورة 25 يناير، حيث تأثرت مصر سلبا بزيادة ففى عامى الثورة زاد عجز الميزان التجارى بزيادة قيمتها 100 مليار جنيه، وهو ما بدأ يشكل ضغطا متزايدا على الاحتياطى النقدى الذى لم يتحمل هذه الزيادات، وفى النهاية نشأ السوق السوداء للعملة الأجنبية، وكان على الدولة المصرية إنقاذ الاقتصاد الذى يبدو أنه اقترب من مرحلة الانهيار.
تبدو سياسة الإصلاح الاقتصادى واضحة وفى البيانات التى نشرها المركزى للتعبئة والإحصاء يظهر واضحا انخفاضا فى نسبة الزيادة بهذا العجز، ليصل إلى 11.6% فى عام 2016 مع بدء تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادى، بعد أن كان قد وصلت هذه الزيادات إلى نسب تقترب من 40%.
أما الأكثر مدعاة للتفاؤل، هو ما قالته وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد، خلال اجتماع مجلس الوزراء الخميس الماضى، إذ أشارت إلى أن عجز الميزان التجارى تراجع 11% على أساس سنوى خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالى الحالى 2018/2017 ليصل إلى 26.8 مليار جنيه، من 30 مليار جنيه خلال الفترة ذاتها من العام المالى السابق، مع ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 12% وانخفاض الواردات غير البترولية بنسبة 3%.
الخبيرة الاقتصادية والنائبة البرلمانية بسنت فهمى، عزت 90% من النجاح فى تحقيق انخفاض العجز إلى "تحرير سعر صرف الجنيه" والسياسة النقدية للبنك المركزى، قائلة أن دعم الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية كان خطأ فادحا تسبب فى قتل الزراعة والصناعة، ووجد المصريون أنفسهم أمام منتج مستورد أرخص، ووجد المصريون يقولون :"ننتج ليه ما المستورد أرخص"، والحقيقة أن الدولة كانت تدعم هذا الاستهلاك، واصفة هذا الأمر بـ"الجريمة"
وأضافت بسنت فهمى إن ما حدث فى 2016 هو أن الدولة توجهت لدعم "الإنتاج"، وهو ما بدأت مؤشرات تظهر فى انخفاض عجز الميزان التجارى، متوقعة أن يزيد التراجع أكثر خلال الفترة القادمة بفضل اتخاذ وزارة الصناعة إجراءات لإعادة تصدير القطن المصرى إلى الخارج.
وتابعت الخبيرة الاقتصادية والنائبة البرلمانية بقولها إن ما نحتاج أن نلتفت إليه الآن هو متابعة إصلاح الجهاز الحكومى المترهل فى الدولة، وإجراء انتخابات المحليات فى أقرب وقت ممكن كى تكون المجالس المحلية رقيبا على أجهزة الدولة، قائلة: "لو مشينا كده هيرجع الجنيه المصرى أقوى من الجنيه الذهب زى أيام الملك فاروق".
وعن انعكاس هذا التحسن على حياة المواطن، قالت بسنت فهمى إنه بالفعل بدأ يتحسن والدليل على ذلك انخفاض نسبة البطالة لمستوى قياسى، وزيادة حجم الاستثمار فى المشروعات الصغيرة التى تدعمها الدولة مشيدة بأفكار الشباب فى الاستثمار واتجاهه للمشروعات الصغيرة، واستيعاب الدولة لهذه المشروعات ودعمها.
أما شريف الجبلى رئيس شعبة المصدرين السابق ورئيس شعبة الكيماويات فى الاتحاد العام للغرف التجارية، فقد قال إنه زيادة الصادرات بنسبة كبيرة خلال الفترة الأخيرة هو أمر ملحوظ لا يخفى على أى عامل فى مجال الصناعة المصرية، مشيرا إلى أن مجال الصناعات الكيماوية تحديدا قد حقق زيادة كبيرة تقترب من 25% خلال الفترة الماضية، معتبرا أن السبب الرئيسى فى الأمر هو سياسة تحرير سعر الصرف.
وأكد شريف الجبلى فى تصريح لـ"اليوم السابع" أن تحرير سعر الصرف، أعطى المنتج المصرى تنافسية عالية أمام نظيره فى الأسواق العالمية، مشيرا إلى أن زيادة المكون المحلى داخل السلعة المصدرة يزيد من ميزتها التنافسية أمام غيرها من السلع، ومشددا على أن تحرير سعر الصرف هو أكثر ما أعطى دفعة كبيرة للصناعة والتصدير فى مصر، متوقعا المزيد من التقدم خلال الفترة القادمة.