استمر استجواب النائب مكرم عبيد ثلاث جلسات، وشمل اتهامات الفساد التى ذكرها فى «الكتاب الأسود» الذى قام بوضعه، ووجهها ضد رفيق رحلته السياسية مصطفى النحاس باشا رئيس الحكومة، ووزراء فى حكومته.
بدأت هذه الجلسات فى مايو 1943، وحسب الدكتور مصطفى الفقى فى كتابه «الأقباط فى السياسة المصرية» عن «دار الشروق- القاهرة»: «تحدث فى ثلاث جلسات متتالية، بينما كان النحاس ووزراؤه موجودين فى قاعة المجلس، وأوقفه رئيس المجلس «عبدالسلام جمعة» عن الكلام عدة مرات، وكان رئيس المجلس يتخذ خطا متشددا من عبيد، وأعدت الغالبية العدة مسبقا لخلق موقف ضده».
كان «الكتاب الأسود» عبارة عن عريضة إلى الملك، ويؤكد «الفقى» أنه يحتوى عدة فصول عن أنواع مختلفة من الفساد والمحسوبية التى وقعت فى ذلك الوقت، وصدر فى حوالى 500 صفحة، وظهرت النسخة الكاملة منه يوم 29 مارس 1943، وحول ما جاء فيه يذكر مصطفى النحاس، أن «الذى يقرأ الكتاب يخرج منه بأنى أسوأ رجل أخرجته مصر وتولى حكم مصر»، ويذكر فى مذكراته، دراسة وتحقيق أحمد عزالدين، عن «دار العصور الجديدة- القاهرة» بعض ما جاء فى الكتاب الأسود من اتهامات له بالفساد: «أننى أتيت بوزير من أصدقائى يحابى التجار الوفديين، ويحارب غيرهم، وأن شؤون التموين أصبحت على أسوأ ما يكون، وأننى سافرت إلى برلين وأنا رئيس الوزارة عام 1937، واشتريت لزوجتى فروا ثمنه أكثر من ألف جنيه، وأن سفير مصر فى ألمانيا «حسن نشأت» استعمل نفوذه، وتوسط لدى المحل الذى باع الفرو حتى أخذه بخمسين جنيها، وأن الهيئة الوفدية كانت قد قررت الاكتتاب وشراء المنزل الذى أقيم فيه بمصر الجديدة، وقدمته هدية لى، فبعته وأخذت ثمنه، وأنى نهبت أموال وقف البدراوى وعبدالعال.. وملأت الحكومة بأصهارى وأنصارى وأغدقت عليهم الأموال بغير حساب»، بالإضافة إلى وقائع أخرى.
أحدث الكتاب ضجة هائلة، ويؤكد الفقى: «على الرغم من أن الرقابة الصحفية منعت الصحف من ذكر أى شىء عنه، فإن أعضاء كل الأحزاب كانوا يحصلون على نسخ منه بأى وسيلة ممكنة، ووصلت نسخ منه إلى السفارات الأجنبية خاصة البريطانية والأمريكية»، وأقدم حزب الوفد على فصل «عبيد» من عضويته، وكان يشغل منصب سكرتيره، وحسب كتاب «سنوات ما قبل الثورة» تأليف صبرى أبوالمجد، عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»: «وجد مكرم أن الوضع يتطلب أن يتقدم إلى البرلمان باستجواب مفصل، واستعدت الحكومة ونوابها، لا لمناقشة الاستجواب فحسب، بل اتخاذ الإجراء الأخير بالنسبة لمكرم بعد أن فصل من الوزارة وسكرتارية الوفد، وعضوية الحزب».
كانت الأغلبية فى البرلمان وفدية، ويتحدث «النحاس» عما دار فى مناقشة الاستجواب قائلا: «وقف مكرم يشرح استجوابه، فبدأ النواب بمقاطعته والتشويش عليه، فمنعهم رئيس المجلس وقال لهم: يجب أن يشرح استجوابه ويقول ما يريد، وأخذ يعيد التهم ويردد ما جاء فى كتابه الأسود»، وقدم النحاس ردوده على الوقائع التى جاءت فى الكتاب، ويؤكد أنه ختم كلامه بكلمة أخيرة قال فيها: «يحكى أنه كان فى مصر شخص يسمى مكرم عبيد بلغ من الشهرة أقصاها ومن المنزلة منتهاها، قربه رئيسه وزعيمه حتى إذا بلغ القمة وظن أن لا أحد بعده، أخذه الغرور وزين له الشيطان الغرور، فسقط من حالق محطم العقل مزعزع الفكر مضطرب أوضاع الحياة، كان فى مصر شخص يسمى بهذا الاسم، فانمحى من الوجود السياسى ذلك الاسم.. رحمه الله».
انسحب «عبيد» من تلك الجلسة وكانت يوم 23 مايو 1943، ووفقا للفقى «تبعه أعضاء المعارضة باستثناء أعضاء الحزب الوطنى، واتخذ المجلس قرارا بأغلبية الأصوات فى نهاية الجلسة بشجب عبيد وكتابه، وتجديد الثقة فى النحاس ومجلس وزرائه»، وحسب صبرى أبوالمجد، فإن قرار المجلس جاء فيه: «يستنكر المجلس استنكارا شديدا المسلك الشائن الذى سلكه مكرم عبيد باشا سواء أكان ذلك فى طريقة تسويده كتابه، وتلفيق ما فيه، أم فى طريقة نشره بدل تقديم استجواب مهذب إلى البرلمان الذى هو الجهة المختصة مادام الأمر بين نائب والوزارة، ومادام النظام البرلمانى قائما فى البلاد، ومادامت المسؤولية الوزارية الصحيحة قائمة على أساس من الدستور، ويعتبر المجلس أن مكرم عبيد باشا أسوأ مثال للنائب منذ قامت فى البلاد الحياة النيابية سنة 1924، ذلك لأن الواجب الأول على كل نائب ألا يتحرك فى الشؤون العامة إلا والصدق المطلق رائده، وخدمة المصلحة العامة وحدها قائده، فلا يستسلم للأحقاد تغله، ولا لشهوة الانتقام تسيره».
فى 12 يوليو 1943 تم طرد مكرم عبيد من عضوية مجلس النواب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة