"القضاة الأوائل" الحلقة 11.. المنذر بن سعيد البلوطى "الفقيه المحقق".. أمر بهدم دار أيتام أراد أخذها الحاكم كما خرق "الخضر" السفينة للمساكين.. ودعا بالاستسقاء لقرطبة بعدما أهل أمير المؤمنين التراب على رأسه

الإثنين، 28 مايو 2018 12:19 ص
"القضاة الأوائل" الحلقة 11.. المنذر بن سعيد البلوطى "الفقيه المحقق".. أمر بهدم دار أيتام أراد أخذها الحاكم كما خرق "الخضر" السفينة للمساكين.. ودعا بالاستسقاء لقرطبة بعدما أهل أمير المؤمنين التراب على رأسه الفصل فى القضايا داخل المسجد
كتب محمد محسوب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

شق طريقه سريعا فى طلب العلم بحفظ القرآن، وتتلمذ على يد أبرز العلماء بتلقى دروس أصول الكلام و الفقه بالإضافة إلى الحديث، واستمر فى هذا التحصيل حتى ضلع فى العلم، وأصبح من كبار العلماء، واستمر يلقى دروسه بمساجد قرطبة طوال فترات اليوم، أنه المنذر بن سعيد البلوطى.

 

كان "البلوطى" الذى ولد فى سنة 265 هجريا، وتولى القضاء فى سنة 339، شديد الصلابة فى أحكامه، ورغم كونه مؤثرًا للمذهب الظاهرى، إلا أنه كان يقضى بمذهب مالك السائد حينئذ فى بلاد الأندلس، وكان ينقد الولاة نقدا لاذعا، وذكره الحكم المستنصر أمير المؤمنين خلال توليه هذا المنصب فقال: "كان فقيهاً فصيحاً خطيباً لم يسمع بالأندلس أخطب منه وكان أعلم الناس باختلاف العلماء".

 

من بين المواقف التى تدل على حكمته وعدله وورعه، أنه كان يخطب بالمسجد لطلب الاستسقاء بعدما أصاب قرطبة الجفاف وعم البلاء فقال لأحد أتباعه اذهب للناصر وانظر ما حاله الآن، وانظر أمير المؤمنين ما يفعل، وحينما ذهب الغلام بالقرب من القصر وجد الناصر يلقى على وجهه ورأسه تراب الأرض ويدعو ربه سبحانه ويقول: "يا رب لا تعذبهم بى ناصيتى بيدك".

 

الغلام الذى أرسله "البلوطى"، رجع إليه ووصف خشوع الحاكم قائلا "ما رأيناه قط أخشع منه فى يومنا هذا أنه لمنفرد حائر لابس أخشن الثياب مفترش التراب قد رمى منه على رأسه وعلى لحيته، يبكى ويستغفر ويقول يا رب هذه ناصيتى بين يديك، فإن أذنبت أراك تعذب الرعية بذنبى وأنت أحكم الحاكمين، وأنت قادر على ولن يفوتك شىء منى؟"، فرد"البلوطى على غلامه قائلا: اذهب فاحمل الممطر-أى المشمع- فقد أذن الله بالسقيا "أى نزول المطر"، وقال مقولته الشهيرة:" الحمد لله إذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء"، وبعدها بساعة هطل المطر بغزارة على المدينة بالكامل وعمهم الخير.

 

من بين المواقف التى تدل على عدل "البلوطى"، أن الحكم المستنصر أراد أن يبنى قصرا لإحدى نسائه وكان بجوار المكان دار صغيرة وحمام لأيتام يتبع القاضى وتحت ولايته، فطلب شراءه فقالوا له: "إنه لا يباع إلا بإذن القاضى"، فقال القاضى:"لا، إلا بإحدى ثلاث: حاجة الأيتام أو وهن البناء أو غبطة الثمن"، فأرسل الخليفة خبراء قدروهما بثمن لم يعجب القاضى فأباه وأظهر الخليفة العدول عنهما والزهد فيهما وخاف القاضى أن يأخذهما جبرا فأمر بهدم الدار والحمام وباع الأنقاض بأكثر مما قدر الخبراء.

 

تصرف "البلوطى" فى الدار والحمام جعل الخليفة فى حيرة شديدة، وقال لـ"البلوطى": "ما دعاك إلى ذلك؟"، قال:"أخذت بقول الله تعالى:"أما السفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا"، لقد بعت الأنقاض بأكثر مما قدرت للدار والحمام وبقيت للأيتام الأرض فالآن اشترها بما تراه لها من الثمن"، قال الخليفة:" أنا أولى أن أنقاد إلى الحق فجزاك الله عنا وعن أمتك خيرا".

 

الدكتور رفعت السيد الخبير القانونى والدستورى، يقول فى تفنيده للطريقة التى كان يتعامل بها "البلوطى": إن القضاة الأوائل كانوا يقضون بالقرآن وكانوا يحفظونه حفظا جيدا، ولذلك كان هو عرفهم وقانونهم ودستورهم.

 

وأضاف، أنهم كانوا حافظين لشرح القرآن شرحا وافيا، ويستخلصون من هذا الشرح التطبيق السليم من المادة المعروضة عليه، موضحا أن المواد والقضايا التى كانت تعرض على القضاة فى العصور الأولى محدودة، وليست متشعبة، مثل الآن.

 

وأوضح الخبير القانونى والدستورى، أن 95% من القضايا كانت متعلقة بمطالبات بدين أو عدم السداد أو نزاع على ملكية قطعة أرض، أو نزاع على ميراث وغير ذلك، وكانت محدودة للغاية، وليس بها التشعب والصعوبة فى القضايا المثارة الآن.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة