ثارت ثائرته واحمرت وجنته، شعر بمرارة الظلم وصرخ فى وجه زبونه الملطى الجنسية، الذى لم يقدره حق قدره، وخسف بأجره الأرض، فأعطاه قرشاً وأحداً لتوصيلة بدأت منذ صباح اليوم حتى قارب على الانتصاف، جاب خلالها سائق الحنطور شوارع الإسكندرية، وانتظر بين الخمارات لحين انتهاء صاحبه من كأسه، ووجد نفسه بقرش وأحداً ألقى إليه بإهمال واستهانة، وفى النهاية سددت إليه طعنة نافذة اسقطته على الأرض يتلوى من الألم.
فى التاسعة من صباح يوم 11 يونيو عام 1882 استقل خواجة ملطى الجنسية حنطور مع سائقه "السيد العجان"، وظل يتردد على الخمارات المنتشرة فى شوارع الإسكندرية "السبع بنات" و"الأوروبى"، وفى كل خمارة يترك صاحب الحنطور فى الخارج ويدخل ليحتسى كأس من الخمر، ويعود إدراجه وهكذا تكرر السيناريو عدة مرات، حتى سئم سائق الحنطور من الأمر، ودخل خلف الملطى أحدى الحوانيت، وطلب منه أجرته.
معارك الأحد الدامى
الدمار الذى أخلفه الاحتلال الإنجليزي
اتسع نطاق المشاجرة؛ فتجمع رواد أحدى المقاهى وانضم عدد من رعايا الدولة الأجنبية للمشاجرة، وهرب الرجل الملطى إلى دار يسكنها أوروبيون فى شارع صغير متفرع من شارع "السبع بنات"، فتجمهر المواطنين حول المنزل، وفوجئوا بإطلاق النار عليهم من النوافذ، وحاول رجال البوليس التدخل ولكنهم فشلوا؛ ونتيجة لذلك امتد الهياج إلى الشارع "الإبراهيمي" وشارع "الهماميل" وشارع "المحمودية" ومنطقة "الجمرك" و"المنشية" وشارع "الضبطية"، وغيرها من الشوارع التى يقطنها الأوربيون.
معارك الأحد الدامى
هكذا بدأت قصة مذبحة الإسكندرية بمشاجرة صغيرة بين سائق حنطور مصرى وخواجة مالطى الجنسية، نتيجة الخلاف على أجرة الأول، وانتهى اليوم بمقتل 49 قتيلاً بينهم 38 من الأجانب و11 مصرياً، و71 جريحاً بينهم 36 من الأجانب و33 من المصرين واثنين من الأتراك، واستغلتها بريطانيا _فيما بعد_ذريعة لاحتلال مصر لمدة 74 عاماً، حيث كان من بين أسباب الاحتلال الإدعاء بحماية الأجانب والأقليات الدينية.