خلال الأعوام القليلة الماضية، كان لافتاً للنظر انقسام موسم الإعلانات خلال شهر رمضان بين الشركات العقارية والاتصالات أو جمع التبرعات للمؤسسات الخيرية المختلفة، والتى تتزايد كل موسم بشكل كبير إلا أن تلك الحملات لم تتضمن ما استحدثته هيئة الرقابة المالية عام 2016 وهو صناديق الاستثمار الخيرية رغم ما توفره هذه الصناديق من وعاء لتجميع التبرعات والأموال المخصصة للأنشطة الاجتماعية وأعمال الخير لاستثمارها والصرف من عائدها على تلك الأنشطة، وبذلك تتحقق الاستدامة فى التمويل على مدى السنوات مما ييسر فى تخطيط النشاط ويدعم متطلبات التشغيل.
ومؤخراً أعلنت مؤسسة مصر الخير فى حفل استضافته هيئة الرقابة المالية وبحضور وزيرتى التضامن والاستثمار والتعاون الدولى عن البدء فى إجراءات تأسيس عدد من تلك الصناديق لتمويل أوجه النشاط الخيرى لديها، ومنذ أسابيع قليلة شهدنا إطلاق وزارة الشباب والرياضة بالتعاون مع بنك مصر أول صندوق استثمار خيرى استهدف دعم الرياضيين، كما سيتم إنشاء صندوق خيرى جديد لرعاية ذوى الإعاقة تساهم فى تأسيسية عدد من البنوك والمؤسسات المالية بحسب وزيرة التضامن غادة والى.
ورداً على سؤال لـ”اليوم السابع”" حول مدى ارتباط الإعلان عن صناديق الاستثمار الخيرية بشهر رمضان وميل المواطنين فيه لعمل الخير، أجاب شريف سامى خبير الاستثمار ورئيس الهيئة العامة للرقابة المالية سابقاً : أنه لهذا السبب تحديداً، أى الموسمية فى عمل الخير فى رمضان، بدأ التفكير عام 2016 فى استحداث صناديق الاستثمار الخيرية بغرض توفير مصادر تمويل مستدامة على مدى العام، ومن ثم تجنب الاعتماد على التمويل الذى يتم استقطابه فى فترة محددة والتنافس مع الكثير من الجهات عليه.
وأضاف سامى، لـ"اليوم السابع"، أنه بحث مع مجلس إدارة الهيئة فى ذلك الوقت مختلف التجارب الدولية، ورؤى أن إصدار قانون جديد للوقف الأهلى فى مصر لن يكون سهلاً لأسباب تاريخية كثيرة، كما أن الدول التى تطبق النظام القانونى الانجلوسكسونى (مثل بريطانيا وكندا واستراليا والولايات المتحدة) لديها ما يعرف بنظام صناديق الاستئمان ( Trusts ) والتى يمكن من خلالها وقف أموال لعدة أغراض من ضمنها الصرف على عمل الخير والمشروعات الاجتماعية، وذلك وفقاً لما يشترطه واهب المال، وهو نظام لم نعهده فى مصر ويتطلب تنظيم وتشريع متكامل ويتصل بعدة محاذير تتعلق بالافصاح ومكافحة غسل الأموال والتهرب الضريبى لذا استقر الأمر على أفضلية الاستفادة من قانون سوق رأس المال ومنظومة صناديق الاستثمار لتطويعها لخدمة أغراض الخير.
وأشار شريف سامى، إلى أن الفكرة من استحداث منظومة لصناديق الاستثمار الخيرية جاءت للاستفادة من قانون سوق المال لتوفير وعاء لتجميع التبرعات والأموال المخصصة للأنشطة الاجتماعية وأعمال الخير لاستثمارها والصرف من عائدها على تلك الأنشطة، وبذلك تتحقق الاستدامة فى التمويل على مدى السنوات مما ييسر فى تخطيط النشاط ويدعم متطلبات التشغيل إذ أنه فى أغلب الأحيان يتحمس المتبرعون لتغطية المطلوب لتمويل الإنشاءات وشراء الأجهزة ويصعب بعدها توفير الموارد الدورية لتغطية نفقات الصيانة والمرتبات وغيرها من المستلزمات.
ونوه إلى أن اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال بناء على التعديل الذى اقترحته الهيئة العامة للرقابة المالية منذ عامين، عرفت "صناديق الاستثمار الخيرية" بأنها صناديق استثمار لا توزع أرباح على حملة الوثائق وتوجه فوائضها إلى أغراض خيرية واجتماعية بهدف توفير وعاء يسمح باستفادة المشروعات والجمعيات الأهلية من عوائد الأموال.
وأضاف شريف سامى أن الميزة الهامة الأخرى التى توفرها تلك المنظومة هى ما تحققه من شفافية أكبر فى كيفية إدارة الأموال من خلال الافصاحات الدورية للصناديق ونشر قوائمها المالية وإتاحة الفرصة لمن قدموا تلك الأموال من حملة الوثائق من متابعة أداء الصندوق وتحديد أوجه الصرف على الأغراض التى يرعاها، وتغييرها من فترة إلى أخرى إلى الأغراض التى يقررونها.
وكشف أن نموذج الاستثمار المؤسسى لأموال الخير منتشر عالمياً، وأن هناك مئات من المؤسسات غير الحكومية التى لا تستهدف الربح تتلقى التبرعات وتستثمرها على مدى أجيال، وتتراوح تلك المؤسسات بين العملاقة والتى ترعى أعمال الخير اقليمياً أو عالمياً وبين المؤسسات الصغيرة للإنفاق على غرض محدد مثل ملجأ أو دار مسنين أو مركز طبى مجانى، مشيرا إلى أن أكبر عشرة مؤسسات خيرية عالمياً تدير أموال بنحو مائة وخمسين مليار دولار، وتلك المؤسسات العشرة أغلبيتها فى الولايات المتحدة وبريطانيا، إلا انها تضم مؤسسة هندية وأخرى بدولة الإمارات العربية المتحدة هى مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم.
ولفت إلى أن قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية رقم 19 لسنة 2016 والمنشور فى الجريدة الرسمية حدد الأغراض الاجتماعية أو الخيرية التى توزع عليها الأرباح والعوائد الناتجة عن استثمارات صندوق الاستثمار الخيرى حتى انقضائه، بأن تكون واحد أو أكثر من المجالات التالية: تمويل أنشطة ومؤسسات التعليم والتدريب وتقديم المنح الدراسية، الرعاية الاجتماعية ومنها المساهمة فى تمويل بناء و/أو تشغيل دور لإقامة أو رعاية الأيتام أو الأشخاص غير ذوى المأوى، أو الطلبة المغتربين غير القادرين أو المسنين وتمويل تقديم المساعدة النقدية أو العينية للأرامل والمرأة المعيلة، أو ذوى الاحتياجات الخاصة، أو الأسر الفقيرة أو الغارمين وكذا المساهمة فى تمويل بناء و/أو تشغيل مراكز لرعاية الأطفال ومراكز شباب ونوادى رياضية لغير القادرين. وأيضاً الرعاية الصحية: ومن ضمنها المساهمة فى تمويل بناء وتجهيز و/أو تشغيل المستشفيات ووحدات الرعاية الصحية والمراكز العلاجية وكذلك تمويل تحمل كل أو جزء من تكاليف العمليات الجراحية، أو الأدوية، أو الإقامة، أو شراء أدوية أو المستلزمات الطبية لغير القادرين. وأخيراً تطوير القرى الفقيرة والعشوائيات وكافة الأغراض الأخرى التى تهدف إلى تنمية وخدمة المجتمع والتى توافق عليها الهيئة.