تولى قضاء مصر بعد عدة محطات قضائية مر بها، وأثبت أنه اجد بتلك المسئولية، اشتهر بالنبوغ والبلاغة، وكان لا يخاف فى الحق لومة لائم، فتحدى الحاكم نفسه، الأمر الذى أدى إلى عزله، أنه القاضى شرف الدين أبو المكارم المقلب بـ"ابن عين الدولة".
"ابن عين الدولة" كان من أشجع قضاة عصره، ومن بين أشهر المواقف التى تدل على ذلك، أن الملك الكامل شهد أمامه فى حادثة ما، ورأى القاضى الشجاع أن الملك الكامل الأيوبى لا يصلح للشهادة وليس عدلا ثقة تؤخذ شهادته، وكان على القاضى ابن عين الدولة يرفض شهادته علنا فى مجلس القضاء.
القاضى الشجاع قال ذات مرة للسلطان الكامل أنه يأمر ولا يشهد، ففهم أن "ابن عين الدولة" لا يقبل شهادته، فهدده قائلا : "أنا أشهد فى القضية، أتقبل شهادتى أم لا"، إلا أن القاضى أعلن رأيه فيه صراحة أما الجميع قائلا: "لا أقبلك وكيف أقبلك والمغنية عجيبة تطلع عليك بموسيقاها كل ليلة وتنزل ثانى يوم وهى تتمايل سكرى أى "سكرانة"، وأخذت السلطان العزة فشتم القاضى بالفارسية، فقال القاضى للحاضرين اشهدوا أنى عزلت نفسى عن القضاء، وترك المجلس وخرج غاضبا.
"ابن عين الدولة"أصر على موقفه من اعتزال القضاء بعد سب السلطان له، لكن السلطان اعتذر للقاضى ليعود لمنصبه، بناءا على نصيحة مستشاريه خوفا من أن يشيع ما حدث وما قاله القاضى ويصل إلى بغداد ويصبح الأمر بمثابة الفضيحة.
"ابن عين الدولة" استمر على حكمه العادل، إلى أن ترك القضاء بسبب ألم فى قدميه أدى إلى عجز حركته، الأمر الذى وطد حب الناس له حتى وفاته.
الدكتور سيف رجب قزامل، أستاذ الفقه المقارن وعميد كلية الشريعة والقانون بطنطا، جامعة الأزهر السابق،عضو المنظمة العالمية لخريجى الأزهر، يقول أن ما فعله القاضى "ابن عين الدولة" لا يؤخذ عليه لأن القاضى له الحق فى رد شهادة أى شخص ولو كان السلطان نفسه.
وأضاف "قزامل"، أنه من حق القاضى أن يرفض الشهادة إذا كانت فيها شئ مجروح، مؤكدا أن هذا دليل على قوة القضاء، وقوة القضاة تؤدى إلى تطبيق العدالة، وتشريف الدولة الإسلامية، وعدم الميل للسلطان فى شئ.
وأشار "قزامل"، إلى أنه كان قديما يتم "تزكية" الشهود حيث يتم السؤال عليه فى الحى الذى يسكن فيه، للتأكد من أنه ليس له أغراض أو مصالح معينة من شهادته، ولا يتم الاكتفاء بالعدالة الظاهرة مثل الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة