قال الكاتب اليمنى على المقرى، إن هناك رواية عربية لم تكتب فيما بعد الربيع العربى، إضافة إلى أن رواية الديكتاتور ظلت غير ممكنة التحقيق لأزمنة طويلة، فى العالم العربى وهى الآن تواجه أسئلتها الخاصة: كيف تكتب؟.
جاء ذلك خلال فعاليات ملتقى تونس للرواية العربية، فى دورته الأولى، والذى ينظمه بيت الرواية فى تونس، ويحل عليه الكاتب الليبى الكبير إبراهيم الكونى ضيف شرف، ويشارك فيه نخبة من الروائيين العرب.
جانب من اللقاء
وقال على المقرى أرى أن الرواية العربية تبدو مزدهرة فى الوقت الحالى، على الرغم من كل ما يواجه هذا الجنس الأدبى، من انحسار ومنع واستقطاب، وفى السنوات الأخيرة حققت الرواية العربية انتشارا كبيرا بفضل الجوائز العربية واحتفاء الصحافة بها، ولكن هل يعنى أن هذا الفن لا تواجهه أخطارا فى الطريق إليه؟.
وأشار على المقرى إلى أن هناك روائيون عرب يواكبون هذا الفن، ويحاولن توظيفه فى التجارب الخاصة، ولهذا نجد هناك روايات حديثة، وتجريبية، ما بعد حداثية، أو هكذا توصف، وكلها تمضى إلى جانب الرواية التقليدية المكرسة، وهناك ما يمكننا القول بأنها رواية دون التقليدية، أى أنها دون تجربة بلزاك وجيب محفوظ، وهذه الرواية التى لم تصل إلى محاكاة التجارب الأولية لفن الرواية، هى الأكثر انتشارا فى العالم العربى، وذلك لأسباب تبدو لى لغياب التقاليد الفنية الراسخة فى مؤسسات ودور النشر العربية، والتى من خلالها تستطيع أن تعرف إذا ما كان الكتاب له علاقة بفن الرواية أم لا؟.
الروائى إبراهيم عبد المجيد
وأوضح على المقرى، أن ما ذكره يشير إلى الارتباكات الأولى للكتابة، والتى تبقى فى المستوى الأدنى من الخبرة فى الاطلاع على ما تم إنجازه، مضيفًا: لهذا لا يبدو لى أن هناك منحة تواجه هذا الفن خارج محنة الكتابة الخاصة، فمازالت هناك رواية عربية لم تكتب بعد، عربية لما تحمله كلمة عربية من دلالات لغوية وثقافية، قد تستفيد من خيرة السرد العربى سواءً فى تجلياته التخيلية أو فى أساليب سردياته التاريخية، مع عدم إغفال تحولات فن الرواية وما وصل إليه فى تجاربه الحديثة.
ورأى على المقرى أن هناك رواية عربية تكتب فى زمن ما بعد الربيع العربى، أو بالأصح بعد الربيع التونسى، رواية الديكتاتور التى ظلت غير ممكنة التحقيق لأزمنة طويلة فى العالم العربى، وهى الآن تواجه أسئلتها الخاصة: كيف تكتب؟.
جانب من اللقاء
وأوضح على المقرى أن السياسية قد تكون إحدى المواضيع التى يختبرها الكاتب فى عمله الروائى حين يكتب، وهنا يبدو لى أن أكثر الروايات فى العالم العربى التى أنجزت ما بعد الربيع التونسى تتخذ من إشكالية الصراع مع السلطة السياسية كمنطلق لها، ولا تختبرها كحالة بذاتها، لها محنتها الخاصة، حتى مع إشكالية هذا الصراع، فالمشكلة فى الكتابة هى أن يصبح الكاتب معبرا عن خطاب سياسى أو أيديولوجية ما، فيما هناك وسائل اتصال يمكن أن تقوم بهذا الدور، أما كتابة الرواية فأظن أنها يمكن أن تتناول جوانب السياسة وسلطتها، لا لتتبناها أو تعبر عنها وإنما لتخبرها كمحن إنسانية.
وأوضح على المقرى، أن هذا لا يعنى أن الرقابة السياسية قد انتهت والتى تعتمد على المصادرة والمنع، فما زالت هناك رقابات تتخلق بأشكال أخرى، ومنها الرقابة الدينية التى تدعمها معظم السلطات العربية، بما فيها السلطات التى تظهر فى كل نشرات الأخبار منددة بأعمال داعش والقاعدة، وغالبا ما يكون ذلك بحجة الإساءة للمقدسات الدينية أو تجاوز القيم والعادات الاجتماعية، إذ تقف هذه المحددات القائمة ضد مساءلة الكاتب لواقعه، وكشف محنه، أو لنقل انحطاطه، فالكتاب قد يقرأون، في أعمالهم الأدبية، انحطاط الواقع كمحنة إنسانية، يختبرونها ويشخصونها، ضمن حال الانحطاط العام.
وتابع "المقرى": فنجد من يأتى ليقرأ العمل الأدبى فى ضوء انحطاطه هو، فلا يرى فى النص سوى الانحطاط الذى يعيشه، الانحطاط الثقافى والاجتماعى، ولهذا تكون القراءة مشوهة ومرتبكة وغير متفحصة، أى ناتجة عن انحطاط القارئ فى هذا الواقع المنحط.
جانب من اللقاء
وأضاف صاحب رواية "اليهودى الحالى": فهو مثلا لا يقرأ فى عمل يتناول الجنس سوى الصورة الظاهرة منه، لا يرى فى الكبت الجنسى وعلاقته الاجتماعية المقموعة أى انحطاط، وإنما يرى الانحطاط فى الجنس بذاته، وهكذا تتحالف هذه السلطات ومؤسساتها الدينية مع القارئ ضد الكاتب، ولا تترك هذه السلطات بابا تستطيع بواسطته التحكم بمسار حرية الكاتب واستقطابه إلى إطار محدد لحركة الكتابة ووجهتها، وهو ما يمكن تسميته بالرقابة غير المباشرة.
وأشار صاحب رواية "حرمة" إلى أن المؤسسات الثقافية الرسمية وشبه الرسمية قد تطلب من الكاتب بطرق غير مباشرة أن يكتب فى مواضيع محددة وبطرق محددة من خلال مكافآتها لهذا النوع من الكتابة أو منح جوائز للمنتوج الحاصل منها.
ورأى على المقرى أنه لهذا لا يمكن أن يقاس تطور الرواية العربية بما يمنح من هذه الجوائز التى لديها خطوط حمراء وإن قالت غير ذلك، ولهذا فإن عدنا إلى سؤال هل هى الرقابة أم انحسار النقد أم الرواية نفسها، فإننى أجيب أنه بإمكان الكاتب أن يعمل دون الرقابة ودون النقد، ولهذا لا توجد أزمة معهما وإن بدت العلاقة حادة أحيانا كحال الرواية مع الرقابة، فلا أحد يستطيع أن يهدد مستقبل الرواية إلا إذا تواطأ كاتبها مع هذا التهديد وخان حريته.