ظلت رواية الدكتور زيفاجو للكاتب الروسى بوريس باسترناك، الفائز بجائزة نوبل للآداب 1958، ممنوعة من النشر فى الاتحاد السوفيتى حتى عام 1988، بسبب الانتقادات الضمنية للنظام السوفيتى، وهنا أرادت وكالة المخابرات المركزية أن يقرأ سكان الاتحاد السوفيتى هذه الرواية.. فماذا فعلت؟ قامت بالعمل على إنشاء أول مطبوعة باللغة الروسية على الإطلاق.
هذه الوقائع التاريخية، من المقرر أن يتعرف عليها القراء فى رواية "المثيرة" للكاتبة الأمريكية لارا بريسكوت، التى حصلت لأول مرة على ربح يزيد عن 2 مليون دولار أمريكى نظيرا بيع حقوق الرواية لنشرها فى 11 إقليم، مع الإشارة إلى دول أخرى، من المقرر أن تعلن موقفها من شراء الرواية.
تتناول لارا بريسكوت، فى رواية "المثيرة" عالم رواية "الدكتور زيفاجو" منذ أن فكر فى كتابة الرواية، وحتى وفاته، وما تعرضت له هذه الرواية من حرب شرسة بهدف ألا يتم طباعتها فى الاتحاد السوفيتى.
فى كتاب "قضية زيفاجو: الكرملين.. ووكالة المخابرات المركزية"، العديد من الملفات السرية لوكالة الاستخبارات المركزية حول ما حدث من أجل طباعة الرواية والترويج لها وإيصال رسالتها الجوهرية لطبيعتها المثيرة للتفكير.
أما عن كواليس قيام المخابرات المركزية CIA بالتدخل لنشر رواية "الدكتور زيفاجو" فنتعرف على التفاصيل :
فى أوائل سبتمبر 1958، أحضر وكيل الخدمة السرية الهولندى يوب فان دير وايلدن أحدث أسلحة وكالة المخابرات المركزية فى الصراع بين الغرب والاتحاد السوفيتى، وهى حزمة من الأوراق البنية الصغيرة.
تقول أرملة وكيل الخدمة السرية الهولندى، راشيل فان دير فيلدن: "كان لدى خلفية استخباراتية بنفسى، لذلك كنت أعرف أن هناك شيئا مهما للغاية كان عليه جمعه وتمريره".
ومع ذلك، فلم تكن قطعة جديدة من التكنولوجيا العسكرية الماكرة، ولكنه كتاب، نسخة من أول طبعة باللغة الروسية من رواية "الدكتور زيفاجو".
تقول فان دير ويلدن، التى تركت جهاز المخابرات الأجنبية فى بريطانيا، MI6، عندما تزوجت وانتقلت إلى لاهاى فى العام السابق: "كان الأمر مثيرا... تساءلت عما سيحدث".
لا تزال لديها الرواية وورقة التغليف، مع التاريخ - السبت 6 سبتمبر 1958 - مكتوبة بخط يد زوجها، كانت الرواية جزءاً من عملية طباعة سرية قام بجمعها من الناشرين وتم نقلها إلى وكالة الاستخبارات المركزية، كانت الخطة هى توزيع عدة مئات من الرواية على زوار السوفييت فى معرض بروكسل الدولى للكتاب، الذى كان يحدث آنذاك فى بلجيكا المجاورة، وكان بوريس باسترناك" منذ فترة طويلة أحد أشهر الشعراء والمترجمين الأدباء فى روسيا، وكان من البديهى أن جمهور الزائرين كانوا متحمسين لقراءة روايته الوحيدة.
سعت وكالة الاستخبارات المركزية لنشر رواية "الدكتور زيفاجو" لهدف قالت عنه: "لدينا الفرصة لجعل المواطنين السوفييت يتساءلون ما هو الخطأ فى حكومتهم، عندما يكون العمل الأدبى الرفيع الذى يعترف به الرجل أعظم كاتب روسى حى لا يتوفر حتى فى بلده"، تقول إحدى المذكرات التى رفعت عنها السرية.
يقول بيتر فين من صحيفة واشنطن بوست والمؤلف المشارك فى كتاب "قضية زيفاجو": "أعتقد أن ما اعترض عليه السوفييت هو روح الرواية".. لقد شعروا أنها كانت ضد الثورة، وأنها تصور الجوانب السلبية للدولة السوفييتية وأنها ببساطة وجدت أنها غير مقبولة".
حينما علم بوريس باسترناك أن روايته لن يتم نشرها فى الاتحاد السوفيتى، قدم المخطوطة لعدد من المطابع الأجانبية فى عام 1956. وكان من بينهم شيوعى إيطالى، سيرجيو دانجيلو، الذى كان يعمل فى موسكو كصحفى.
كتب دانجيلو فى كتابه "قضية باسترناك" عن ذهابه للقاء بوريس باسترناك فى منزله الريفى، فى مايو 1956، وبينما هو يسلم مخطوطة الرواية لدانيجيلو، يقول باسترناك: "قد يشق طريقه حول العالم". ثم يضيف، ربما من سخرية القدر: "أنت مدعو لمراقبتى فى مواجهة فرقة الإعدام".
بعد أسبوع، طار دانيجيلو من موسكو إلى برلين الشرقية مع المخطوطة - لم يتم تفتيش حقائبه - وسلمها شخصيا إلى فيلترينيللى، الذى وقع عقدا مع باسترناك، والذى قاوم مطالب السلطات السوفيتية والحزب الشيوعى الإيطالى بعدم نشر رواية "الدكتور زيفاجو" وظهرت باللغة الإيطالية فى نوفمبر 1957.
وتكشف ملفات الـ CIA أن جهاز الاستخبارات العسكرية MI6 قد تمكن أيضًا من الحصول على نسخة من المخطوطة - على الرغم من أنها غير واضحة - وسلمها إلى وكالة الاستخبارات المركزية. ثم قامت الوكالة بترتيب إصدار باللغة الروسية ليتم طبعه فى لاهاى من قبل ناشر متمرس فى طباعة الكتب باللغة الروسية.
تقول فان دير فيلدين: "إنهم لا يريدون أن يكون لهم أى علاقة واضحة مع أمريكا، لذلك اختاروا بلدًا آخر ليطبعه"، وهو ما يؤكد أنه لم يلعب أى دور فى العملية.
وتعتقد فان دير فيلدين أن زوجها تم اختياره للمشاركة لأنه كان على صلة بأشخاص من الناشرين من خلال مشاركتهم المتبادلة فى المقاومة الهولندية للاحتلال الألمانى فى الحرب العالمية الثانية.
وبعد طباعة الرواية، وتوزيعها على آلاف من زور الاتحاد السوفييتى، من قبل المهاجرين الروس فى جزء متقطع من جناح الفاتيكان فى معرض بروكسل.
تقول امرأة ممن عاصرت توزيع رواية "الدكتور زيفاجو" فى معرض بروكسل للكتاب: "سرعان ما انتشرت فى أرضية المعرض قطع من الكتان الأزرق المتناثرة، فكل من حصل على نسخة من الرواية كان ينزع عنها الغطاء، ثم يقوم بتقسيم صفحات الرواية لإخفائها فى ملابسهم".
وبعدما ظنت المخابرات المركزية أن العملية قد نجحت، خاصة بعدما وصلت نسخة من الرواية إلى مكتبة الدولة الروسية، التى تم اعتراضها من قبل الجمارك، فوجئ الجميع بأن الشركة الهولندية التى نشرت الكتاب لم تحصل على إذن للقيام بذلك من مالك الحقوق، فيلترينلي، الذى هدد بمقاضاة الشركة، وهى خطوة كان يمكن لها أن تكشف تورط وكالة المخابرات المركزية، إلى أن تم التوصل إلى تسوية مع مالك الحقوق.
ولتفادى مثل هذه المشاكل فى المستقبل، قررت وكالة المخابرات المركزية إصدار نسختها الورقية المصغرة باللغة الروسية فى الولايات المتحدة، تحت اسم دار نشر فرنسية مزيفة. نُقلت نسخ منها إلى طلاب الاتحاد السوفيتى وأوروبا الشرقية فى مهرجان عام 1959 للشباب والطلاب فى فيينا، الذى رعته المنظمات الشيوعية.
ويقال إن "الباحثين" السوفيت الذين رافقوا الشباب من الاتحاد السوفييتى قالوا: "خذها، اقرأها، ولكن ليس بأى حال من الأحوال لا تذهب بها إلى المنزل".