تفسير بن كثير
يقول تعالى: لا يمل الإنسان من دعاء ربه بالخير وهو المال وصحة الجسم وغير ذلك {وإن مسه الشر} وهو البلاء أو الفقر { فيئوس قنوط} أى يقع فى ذهنه أنه لا يتهيأ له بعد هذا خير، {ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لى} أى إذا أصابه خير ورزق بعد ما كان فى شدة ليقولن هذا لى إنى كنت أستحقه عند ربى {وما أظن الساعة قائمة} أى يكفر بقيام الساعة، أى لأجل أنه خوّل نعمة يبطر ويفخر ويكفر، كما قال تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى}، { ولئن رجعت إلى ربى إن لى عنده للحسنى} أى ولئن كان ثم معاد فليحسنن إلى ربى كما أحسن إلى فى هذه الدار، يتمنى على اللّه عزَّ وجلَّ مع إساءته العمل وعدم اليقين، قال اللّه تبارك وتعالى: { فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ} يتهدد تعالى من كان هذا عمله واعتقاده بالعقاب والنكال، ثم قال تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه} أى أعرض عن الطاعة واستكبر عن الانقياد لأوامر اللّه عزَّ وجلَّ، كقوله جلَّ جلاله: {فتولى بركنه}، { وإذا مسه الشر} أى الشدة {فذو دعاء عريض} أى يطيل المسألة فى الشيء الواحد، فالكلام العريض ما طال لفظه وقل معناه، والوجيز عكسه وهو ما قل ودل، وقد قال تعالى: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه} الآية.
تفسير الجلالين
{ لا يسأم الإنسان من دعاء الخير } أى لا يزال يسأل ربه المال والصحة وغيرهما {وإن مسه الشر } الفقر والشدة { فيؤس قنوط } من رحمة الله، وهذا وما بعده فى الكافرين .
تفسير الطبرى
وَقَوْله: { لَا يَسْأَم الْإِنْسَان مِنْ دُعَاء الْخَيْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره: لَا يَمَلّ الْكَافِر بِاللَّهِ مِنْ دُعَاء الْخَيْر، يَعْنِى مِنْ دُعَائِهِ بِالْخَيْرِ، وَمَسْأَلَته إِيَّاهُ رَبّه، وَالْخَيْر فِى هَذَا الْمَوْضِع: الْمَال وَصِحَّة الْجِسْم، يَقُول: لَا يَمَلّ مِنْ طَلَب ذَلِكَ. {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرّ} يَقُول: وَإِنْ نَالَهُ ضُرّ فِى نَفْسه مِنْ سَقَم أَوْ جَهْد فِى مَعِيشَته، أَوْ احْتِبَاس مِنْ رِزْقه {فَيَئُوس قَنُوط} يَقُول: فَإِنَّهُ ذُو يَأْس مِنْ رُوح اللَّه وَفَرَجه، قَنُوط مِنْ رَحْمَته، وَمِنْ أَنْ يَكْشِف ذَلِكَ الشَّرّ النَّازِل بِهِ عَنْهُ، وَبِنَحْوِ الَّذِى قُلْنَا فِى ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل.
تفسير القرطبى
قوله تعالى: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} أى لا يمل من دعائه بالخير، والخير هنا المال والصحة والسلطان والعز، قال السدى: والإنسان ها هنا يراد به الكافر، وقيل: الوليد بن المغيرة، وقيل: عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية بن خلف، وفى قراءة عبدالله { لا يسأم الإنسان من دعاء المال}. {وإن مسه الشر} الفقر والمرض {فيئوس قنوط} {فيئوس} من روح الله {قنوط} من رحمته. وقيل: {يئوس} من إجابة الدعاء {قنوط} بسوء الظن بربه، وقيل: {يئوس} أى يئس من زوال ما به من المكروه {قنوط} أى يظن أنه يدوم، والمعنى متقارب، قوله تعالى: {ولئن أذقناه رحمة منا} عاقبة ورخاء وغنى {من بعد ضراء مسته} ضر وسقم وشدة وفقر، {ليقولن هذا لى وما أظن الساعة قائمة} أى هذا شىء استحقه على الله لرضاه بعملى، فيرى النعمة حتما واجبا على الله تعالى، ولم يعلم أنه ابتلاه بالنعمة والمحنة، ليتبين شكره وصبره. وقال ابن عباس: {هذا لى} أى هذا من عندى، {ولئن رجعت إلى ربى إن لى عنده للحسنى} أى الجنة، واللام للتأكيد. يتمنى الأمانى بلا عمل، قال الحسن بن محمد بن على بن أبى طالب: للكافر أمنيتان أما فى الدنيا فيقول (لئن رجعت إلى ربى إن لى عنده للحسنى)، وأما فى الآخرة فيقول: (يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) الأنعام: 27] و { يا ليتنى كنت ترابا} [النبأ: 40]. { فلننبئن الذين كفروا بما عملوا} أى لنجزينهم. قسم أقسم الله عليه. {ولنذيقنهم من عذاب غليظ} أى شديد. قوله تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان} يريد الكافر وقال ابن عباس: يريد عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف أعرضوا عن الإسلام وتباعدوا عنه. {أعرض ونأى بجانبه} { نأى بجانبه} أى ترفع عن الانقياد إلى الحق وتكبر على أنبياء الله. وقيل: { نأى} تباعد. يقال: نأيته ونأيت عنه نأيا بمعنى تباعدت عنه، وأنأيته فانتأى: أبعدته فبعد، وتناءوا تباعدوا، والمنتأى الموضع البعيد؛ قال النابغة:
فإنك كالليل الذى هو مدركى
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وقرأ يزيد بن القعقاع و{ناء بجانبه} بالألف قبل الهمزة. فيجوز أن يكون من { ناء} إذا نهض، ويجوز أن يكون على قلب الهمزة بمعنى الأول. {وإذا مسه الشر} أى أصابه المكروه {فذو دعاء عريض} أى كثير، والعرب تستعمل الطول والعرض فى الكثرة. يقال: أطال فلان فى الكلام وأعرض فى الدعاء إذا أكثر، وقال ابن عباس: { فذو دعاء عريض} فذو تضرع واستغاثة. والكافر يعرف ربه فى البلاء ولا يعرفه فى الرخاء.
تفسير الوسيط لـ طنطاوى
وقوله- تعالى-: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ بيان لما جبل عليه الإنسان من حب للمال وغيره من ألوان النعم. ومن ضيقه بما يخالف ذلك.