فى أكتوبر من عام 1986، كان الوسط الفنى على موعد مع قصة فى غاية الإثارة والغموض؛ قصة غير مجسدة فى عمل فنى، ولكنها واقعة حقيقية لامست فنانى تلك الفترة، ومثلت لغزا حتى اللحظة؛ فعلى الرغم من أن بطلها رجل ذو شهرة فى الوسط الفنى، إلا أن بطلها الموازى ظل مجهولاً طوال تلك الفترة وحتى اللحظة، لتمثل تلك الجريمة واحدة من أعقد القضايا.
المخرج نيازى مصطفى
لم يكن الطباخ محمد عبد الله البالغ من العمر 61 عاما آنذاك يدرى أنه بعد فترة طويلة من خدمته للمخرج السينمائى الشهير نيازى مصطفى، سيكون شاهدا على جريمة مقتله، بل وأنه أول من يكتشف تلك الجريمة، فخلال التحريات التى أجراها ضباط المباحث، تبين أن الطباخ ارتاب من عدم استجابة المخرج لدقاته على باب منزل الضحية، فأجرى اتصالاً هاتفيا بشقيق المخرج، وأخبره بذلك وأنه متخوفا من أن يكون قد أصابه مكروه.
داخل العقار رقم 1 بشارع قرة ابن شريك بحى الدقى بمحافظة الجيزة، كانت جثة المخرج السينمائى نيازى مصطفى مسجاة على الفراش داخل شقته رقم 12 مرتدياً جلباباً أبيض اللون، وفقاً لـ"محمود صلاح" فى كتابه "ضد مجهول"، وبجوار رأسه قطعة قماش خاصة بمفرش المقعد، وأما يداه فقد كانتا مقيدتين من الخلف بواسطة ربطة عنق "كرافتة"، وقد كانت آثار الدماء على أنف وفم المخرج القتيل.
استمعت جهات التحقيق فى القضية إلى أقوال عدد كبير من شهود العيان وكان من بينهم طباخ المجني عليه العجوز وهو آخر من شاهد الضحية على قيد الحياة، والذى فجر خلال التحقيقات العديد من المفاجأت عن قائمة علاقات نيازى مصطفى، وجعلت رجال المباحث يضعون احتمال وقوع الجريمة لأسباب نسائية؛ رغم أنه لم يكن معروفاً لأحد أن المخرج العجوز له علاقات من هذا النوع.
كما استمع رجال المباحث لأقوال عدد من الفنانين الذين شاركوه فيلمه الأخير "القرداتى"، وكان من بينهم الفنان فاروق الفيشاوى والممثل طارق النهرى، وشهادة محاسن الحلو مديرة السيرك ومدربة الوحوش، التى كانت تشرف على تدريب القرد الذى كان بطل آخر أفلام المخرج القتيل، وبالطبع شقيقه المونتير جلال مصطفى نيازى، وكشفت الأقوال عن سلسلة من العلاقات الفنية والعائلية والنسائية، ولكنها لم تقود لشيئًا واضح.
نيازى مصطفى مع عدد من الفنانين
وكشف المقربون من نيازي فى أقوالهم أمام جهات التحقيقات، أنه عاد ليلة الحادث في السابعة مساءً فور انتهائه من تصوير المشهد الأخير من فيلم "القرداتى" وبعد ذلك بساعة حضر الطباخ ومعه العشاء_حيث كان يعيش المخرج وحيدًا في شقته التي استأجرها منذ 1948، وبعد أن قدم له العشاء أحضر له بعض من الفواكه، ورفع زجاجة البيرة التى احتسى المخرج نصفها، وغادر بعد أن استأذنه، وكان ذلك أخر لقاء جمعهما.
وكشفت معاينة مسرح الجريمة عن عدم وجود آثار للعنف، وهو ما دلل على أن قاتل المخرج نيازى مصطفى معروف له، وأنه فتح له باب الشقة، أو أن القاتل نفسه كان يمتلك نسخة من المفتاح، وكان على رجال المباحث فى ذلك الوقت أن يسيروا فى كافة الاتجاهات بحثاً عن خيط يقودهم إلى إزالة الغموض والقبض على القاتل المجهول، وذلك بعد الإجابة على السؤال الأهم، لماذا قتل نيازى مصطفى؟
نيازى مصطفى
ولكنه على الرغم من المجهود الكبير الذى بذل فى تلك القضية، لم تقود التحقيقات التى استمرت على مدار أشهر طويلة الجهات القضائية ورجال الأمن إلى خيط واضح يفضح قاتل نيازى مصطفى، وظل سؤال من قتل نيازى مصطفى ؟ بلا إجابة، كغيره من باقى الأسئلة التى طرحت عن دوافع مقتله، وهل كان الانتقام وراء ذلك أم الحصول على أوراق ومستندات كان يحتفظ بها فى المجني عليه فى منزله؟.
وكان من أبرز الأسباب التى أدت إلى عدم التوصل لهوية الجانى هو كثرة البصمات التي كانت موجودة في شقة المجني عليه بعد مقتله، حيث أن عدد كبير من معارفه وصل إلى موقع الجريمة قبل رجال الأمن؛ إضافة إلى أن شقيقه أمر بنقل جثمان نيازي من مكانه قبل وصول جهات التحقيق، إلى غرفته مما أضاع معالم الجثمان على الأرض.
انتهت القضية وقيدت ضد مجهول، ووفقاً للكاتب الصحفى "محمود صلاح"، فأن أخر ورقة فى تحقيقات النيابة، قالت، أنه بعد مطالعة التحقيقات تقيد الواقعة جناية بالمادة 4 س فى قانون العقوبات؛ لأنه فى يوم 18 أكتوبر 1986 .. قتل عمداً نيازى محمد مصطفى .. أحاط عنقه بقطعة من القماش وضغط عليه بشدة .. قاصداً من ذلك قتله .. فأحدث به الإصابات والأعراض الموصوفة بالصفة التشريحية والتى أودت بحياته.
عدد الردود 0
بواسطة:
wafaa zayed
دعم للاستمرار
حبيت جدا فكرة بوابة حكايات الامن والقضاء بتفيدنا بحاجات كتير بجد شكرا لانكم غيرتوا فكرة كلام الجرايد وربنا يوفقكم