فى الوقت الذى أعلنت فيه رابطة الناجين من عمليات الإبادة الجماعية التى وقعت فى رواندا خلال عام 1994، أنه تم العثور على رفات أكثر من مائتى ضحية من ضحايا عمليات الإبادة الجماعية فى مقبرة جماعية جديدة بالعاصمة كيجالى، ظهر كتاب جديد بعنوان "فى مديح الدم" قدمه صحفى كندى يسمى جودى ريفير خاطر بحياته ليجلب لنا تاريخا مقلقا للغاية عن الإبادة الجماعية التى وقعت فى رواندا، والكتاب يشير بقوة إلى تدبير بول كاجامى رئيس دولة رواندا الحالى للأحداث.
ويتضمن الكتاب مقابلات لا نظير لها مع الهاربين من الجبهة الرواندية، وأيضا مقابلات مع الجنود السابقين والناجين من الفضائع، كما أن الكتاب مدعوم بوثائق تسريب من محكمة تابعة للأمم المتحدة.
ويجسد لنا جودى روفر التاريخ الكامل للإبادة الجماعية فى رواند، حيث قتلت الجبهة الوطنية الرواندية لـ بول كاجامى عشرات وربما مئات الآلاف من الأبرياء من "الهوتو" وهم كانوا مزارعين يكدحون فى الأرض.
وقال الكاتب: "كانت وثائق الأمم المتحدة المسربة بالنسبة لى بمثابة إثبات تاريخى لضحايا كاجامى، كما أنها تقف شاهدا على شجاعة شباب (التوتسى) وهم قبيلة أقل عددا من الرعاة تمكنوا من السيطرة على الأغلبية من الهوتو بفضل الأموال التى كانت تدرها عليهم تربية قطعان الأبقار، ولهذا كان جزءًا من نظام وحشى بعد أن أطلقوا سراحهم".
وتابع جودى روفر: "أخطأ كاجامى بشكل كبير فى خلط الغضب والخجل اللذين شعر بهما العديد من رجاله بعد ارتكاب أعمال فساد، وأخبرنى جندى كان ضمن وحدة قتل متنقلة فى (نغوندور) أنه قبل إطلاق النار عليهم تم تقييد العشرات من رجال ونساء وأطفال الهوتو وأجبروا على الجلوس على حافة تلة شديدة الانحدار بالقرب من مزارع الشاى وواجههم الجنود، وقام هو والجنود الآخرون بإفراغ مسدساتهم بطريقة منهجية على ألف مدنى فى أبريل 1994.
ويستعرض المؤلف قائلا: "فى عام 1997 ذهبت إلى الكونغو والتقيت اللاجئين فى الغابات جنوب كيسنغانى وفى مخيمات العبور، وسافرت إلى مدينة مبانداكا الاستوائية ثم إلى العاصمة كينشاسا، ثم عدت إلى جوما وعبرت الحدود سيرا على الأقدام إلى جيسينى رواندا، قبل أن أذهب عبر روهنجيرى إلى كيغالى والمناطق الريفية المحيطة بها، واكتشفت مستوى معاناة الناس التى طغت علىّ لفترة طويلة، وشككت إذا كان بإمكانى حقا أن أحكى قصة ما سمعته ورأيته، واستغرق منى هذا الأمر عقدين لإعادة توجيه نفسى للتخلص من العواطف والملاحظات من تلك الرحلة، لكنى واصلت التحدث إلى الضحايا ومراقبة العنف الذى استحوذ على المنطقة، وخلال السنوات الخمس الماضية، كرست نفسى طوال الوقت لفهم ديناميات عنف كاجامى قبل وأثناء وبعد حدوث الإبادة الجماعية.
وتابع المؤلف: "إن ما ألهمنى طيلة تقاريرى هو قوة الذاكرة وطريقتها فى التغلب على الخوف، هذا الكتاب هو شهادة على شجاعة حوالى مائتى من الشهود على جرائم الجبهة الوطنية الرواندية، بما فى ذلك المسئولين الذين عملوا فى محكمة الأمم المتحدة التى أنشئت فى أعقاب الإبادة الجماعية، أنا ممتن لكل أولئك الذين شاركوا قصصهم واسمحوا لى التدخل فى عالمهم".
واستطرد المؤلف: "كاجامى لم يرتكب هذه الجرائم بمفرده كان يعمل - ولا يزال - مع غطاء سياسى كبير، وما زلت أشعر بالدهشة من كل الطرق التى أفلت بها، فى"مديح الدم" يضع وجها إنسانيا على العنف فى رواندا والكونغو، فالكتاب يحمل أسماء الأشخاص الذين يُزعم أنهم نظموا أبشع الجرائم، ومع ذلك لأسباب تتعلق بالسلامة لا يمكننى أن أعرِّف بأسمائها الحقيقية معظم الشهود الذين تحدثوا معى أو زودونى بمستندات لهذا الكتاب يؤكدون أن كاغامى شخصية قوية ومحمية وخطيرة.
هذه قصة لا تتزعزع عن واحدة من أكثر الكوارث البشرية التى تم إعدامها واستغلالها بقسوة فى القرن العشرين، فكتاب فى مديح الدم سيبقى مرجعا لـ رواندا لمدة عقود قادمة، يفضح جودى ريفير ويوثق بدقة سلسلة من الجرائم ضد الروانديين، الذين أسبغتهم القوات الموالية للرئيس الرواندى.