واجهت فرنسا على مدار ما يقرب من 3 أشهر إضرابًا اطلقه آلاف عمال السكك الحديدية، حيث بدأ فى أبريل الماضى، احتجاجًا على الإصلاحات التى أعلنها الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، ورغم استمرار تلك الإضرابات لعدة شهور متتالية، إلا أن معارضى الإصلاح فى فرنسا واجهوا فشلا ذريعا جراء حالة الرفض التى وجدوها من قبل الفرنسيين أنفسهم، الذين أعربوا عن تأييدهم الكامل للإصلاح باعتباره الطريق الوحيد لاستعادة قوتهم الاقتصادية.
وموجة الغضب العمالى اشتعلت مع إعلان هيئة موظفى السكك الحديدية فى فرنسا، احتجاجها على مشروع إصلاحى، قدمه الرئيس الفرنسى وحكومته، ينص على تعديل وضعهم الخاص، الذى يوفر لهم ضمان وظيفتهم مدى الحياة، حيث تبنى عمال السكك الحديدية مبدأ الإضراب يومين من أصل 5 أسبوعيا، حتى نهاية شهر يونيو الجارى، أى ما يعادل 36 يوم إضراب بصورة إجمالية.
الإصلاح ينتصر على الفوضى
ورغم ارتفاع حدة الاضرابات فى شوارع العاصمة باريس، إلا أن الرئيس إيمانويل ماكرون، على ما يبدو، تمكن من الانتصار، حيث تمكنت حملته التى تهدف إلى تحديث نظام القوى العاملة فى البلاد، من مجابهة دعاة الاحتجاجات الذين أطلقوا الشعارات المناهضة للحكومة، وهى الحملة التى تهدف فى الأساس إلى وضع حد لحالة التردى الاقتصادى طويل المدى الذى تشهده البلاد منذ عدة سنوات.
ولعل العلامة الأهم، التى تعكس انتصار دعوة الإصلاح على دعوات الفوضى فى فرنسا تتمثل فى حالة تراجع الدعم الشعبى لدعوات الإضراب والاحتجاج، والتى تشهدها البلاد، منذ شهر أبريل الماضى، حيث أوضح استطلاع للرأى، قامت به مجموعة "إيلاب"، مؤسسة بحثية فرنسية، أن حوالى ثلثى الفرنسيين يدعمون اقتراحات ماكرون بإلغاء بعض المزايا الممنوحة لبعض موظفى السكك الحديدية.
الشعب الفرنسى يدعم الإصلاح
ويبدو أن الدعم الشعبى للرئيس الفرنسى ودعوته الإصلاحية، كانت السبب الرئيسى وراء فشل الإضراب، الذى تبناه دعاة الفوضى، حيث أعرب الفرنسيون عن تضامنهم مع الرئيس، عبر تجاهل السكك الحديدية، واستخدام طرق أخرى للذهاب إلى أعمالهم، فشهدت تطبيقات السيارات الخاصة، عبر التليفون المحمول إقبالا كبيرا بين الفرنسيين، بينما زادت أعداد الدراجات فى الشوارع، فى حين سمحت بعض الشركات لموظفيها بالعمل من منازلهم لكسر الإضراب.
وإلى جانب الدعم الشعبى، فإن الرئيس الفرنسى ربما لا يشعر بالقلق حول إمكانية تمرير القانون الإصلاحى، حيث أن حزبه يحظى بالأغلبية داخل الجمعية الوطنية، وهو الأمر الذى يعطيه ميزة كبيرة عند عرض القانون للتصويت، ولكن الدعم الشعبى الكبير الذى كشفت عنه الأيام الماضية ربما سيعطيه قوة وثقة أكبر أمام معارضيه، عند مناقشة القانون.
ومن جانبه، قال الأمين العام لقصر الإليزيه أليكسيس كولر، لوكالة "رويترز" الإخبارية، إن "الأمر يرتبط فى الأساس بالإصلاح، وبالتالى علينا أن نتخذ خطوات سريعة من أجل مصلحة البلاد"، موضحا أن الرئيس ماكرون لن يسمح للإضرابات ودعوات الفوضى أن تنال من عزيمته لتنفيذ خطته الطموحة وإنقاذ الاقتصاد الفرنسى.
ماكرون استفاد من درس "جوبيه".. ويتبنى سياسة النفس الطويل
وتجدر الإشارة هنا إلى أن محاولة الإصلاح التى يتبناها ماكرون ليست الأولى من نوعها فى فرنسا، حيث كانت هناك عدة محاولات، ولكن لم يكتب لها النجاح بسبب دعوات الفوضى، وهو الأمر الذى يدركه جيدا الرئيس ماكرون، وبالتالى يبقى مُصرًا على تنفيذ خططه مدعوما بالإرادة الشعبية للفرنسيين التى ربما تتجه بقوه نحو دعم الإصلاح لانقاذ فرنسا بعيدا عن المصالح الفردية.
ففى عام 1995، حاولت الحكومة الفرنسية بقيادة رئيس الوزراء - آنذاك - آلان جوبيه، بتبنى خططًا لتحقيق الإصلاح، إلا أن النقابات العمالية وقفت أمامه، وقامت بتنظيم المظاهرات والإضرابات، لتسقط حكومة "جوبيه" خططها بعد ذلك بعدة أسابيع، إلا أن الرئيس الفرنسى الحالى، ربما استفاد من دروس الماضى، حيث تبنى سياسة النفس الطويل فى التعامل مع التظاهرات ودعوات الفوضى التى شنها معارضو الإصلاح، وهو الأمر الذى أتى بثماره فى النهاية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة