إذا كنت تسمع لفظ "سادية جنسية" كثيرًا، فلابد أنك تعرف دلالتها، لكن ربما لا يعرف الكثيرون أن هذه التسمية جاءت مقتبسة من الروائى والأديب الفرنسى الماركيز دى ساد، ذلك الكاتب الذى عرفت أعماله الفلسفية بأنها سادية ومتحررة من كل قوانين البعد الأخلاقى.
و"ماركيز دى ساد"، واسمه كاملا وناتا ألفونس فرانسوا دى ساد، تحل اليوم ذكرى ميلاد الـ278، إذ ولد فى 2 يونيو 1740، ورحل فى 2 ديسمبر فى 1814، وهو روائى فرنسى من أصول أرستقراطية ثورية فرنسية، كان مبدأه الأساسى والذى على أساسه قدم أغلبية كتبه هو السعى للمتعة الشخصية المطلقة دون أى قيود تذكر سواء أخلاقية أو دينية أو قانونية.
دى ساد
واشتق من اسمه السادية وهى نوع من الانحراف الجنسى يهدف إلى تحقيق المتعة الجنسية من ممارسة القسوة على الآخرين سواء أكانوا إناثا أم ذكورًا، وقد اشتهر فى زمنه بإقامته حفلات ممارسة التعذيب الجسدى على الذين يدمنونه، ويطلق عليهم مصطلح الماسوشيين.
عرف "دى ساد" بأفعاله السادية والعنيفة، وكان فى أدبه رؤية فلسفية خاصة، فعلى لسان شخصيته الماركيز دى جرنان فى روايته جوستين، يرى أن الرجل أقوى من المرأة، وجدير به أن يتعامل معها كالحيوان، تستخدم وقت الحاجة ثم تعاد إلى الحظيرة فورا، لقد منحته الطبيعة هذه الحقوق، فلمَ يحرم نفسه منها؟ وذلك بحسب الناقد والكاتب المغربى محسن المحمدى.
كما اشتهر "ساد" بفضائحه وبأفعاله الماجنة كما عرف باستئجاره لخدمات العاهرات،كما تم اتهامه بالكفر والتى كانت تهمة خطيرة آنذاك، كما تضمن سلوكه إقامة علاقة مع شقيقة زوجته والتى أتت لتعيش معه فى قلعته فى لاكوست بالجنوب الفرنسى، كما أن فضيحة شهيرة سجلت فى تاريخه ألا وهى جلد فتاة شابة وهى روس كيلر مع الإساءة إليها جنسيًا وبدنيًا وذلك فى عيد الفصح فى 1768، ورغم أن كيلر أقامت عليه دعوى قضائية إلا أنها سحبتها بعد ضغوط عائلية بينها "رسالة عفو" موقعة ملكيًا.
حفلات السادية لدى ساد
ودفعت الحادثة الأخيرة بعض الفتيات ليذهبن إلى البوليس بدعوى اعتداء "ساد" عليهن، وكان فى بعض الأحيان يدفع لهن مالًا لدحض قصصهن.
أفعال وتصرفات دى ساد، أودت به إلى السجن وبالتحديد سجن الباستيل، لمدة 10 أعوام، بعد اتهامه باستغلال الفتيات جنسيًا، وكانت زنزانته ضيقة، لهذا اعتاد أن يصرخ فى وجه السجان، وكان فى الزنزانة المجاورة له «ميرابو»، أحد أبطال الثورة الفرنسية، يصرخ دائمًا: "إننى أموت حيًا، إننى فى قبر، إننى فى ظلام دائم".
وأثناء سنواته فى الباستيل عكف ماركيز على كتابة أهم كتبه وهو كتاب "120 يومًا فى سدوم"، وسدوم هى بلدة قوم لوط عليه السلام، وسجل هذا الكتاب فى مخطوط طوله 12 مترًا، وعرضه 5 بوصات، ويضم 25 ألف كلمة.
خرج دى ساد من السجن، لكنه لم يمكث طويلا حتى ذهب إلى مستشفى المجانين، فبعدما خرج كان نابليون بونابرت إمبراطورًا على فرنسا، فهاجمه ساد فى إحدى مسرحياته وسخر من الإمبراطورة جوزفين، فجمع "نابليون" مسرحياته من المكتبات، وزج به فى مستشفى الأمراض العقلية.
ماركيز دى ساد
وهناك، فى مستشفى المجاذيب، ألف فرقة من المجانين قدمت العديد من المسرحيات، ومكث فيها 10 سنوات، ويقول أنيس منصور عن ذلك: "لقد عاش مجنونًا بين العقلاء، ومات عاقلاً بين المجانين".
كان ماركيز دى ساد، ملحدًا لا يؤمن بوجود إله، وكان يستبدل لفظ الإله بالطبيعة، وكانت تظهر بوضوح فى نصوص دى ساد ألفاظ إلحادية، فبحسب لكاتب محسن المحمدى، فإنه فى مسرحيته الشهيرة "محاورة بين كاهن ومحتضر"، فحين تقرأ العنوان، ستقول لربما نحن فى لحظة توبة عن المعاصى التى ارتكبها المحتضر، وإنها فرصته الأخيرة للتكفير، لكن سيصدمنا الماركيز دو ساد ويسير بمسرحيته عكس المتوقع. فكيف ذلك؟
بينما يحاول الكاهن أن يحث المحتضر، ماركيز دى ساد، على التوبة وإعلان الندامة على ما اقترفت يداه من الآثام والرذائل، يرد المحتضر بسخرية: "نعم يا صديقى، أنا نادم جدًا، ولكن ليس على طريقتك. أنا نادم لأننى لم أستغل قدراتى التى منحتنى الطبيعة إياها على أكمل وجه، فأنا لم أجن ثمار الملذات إلى أبعد مدى، وأنا بحق نادم جدًا على كل مقاومة لإمكاناتى، فالطبيعة خلقتنى بأذواق عارمة وأهواء جامحة، كما أنها غرست فى رغبات ما كان على أن أترك بعضها أو أؤجلها، لقد ضيعت فرصًا كثيرة للأسف!".
دى ساد مسجونا
دى ساد الذى قضى حياته فى إطار غريب، كانت نهايته فى السجن أيضًا، بعدما سجن فى مصحة "شارنتون"، بعدما وضعه وزير الداخلية فى غرفة منعزله، ومنع تزويده بالحبر والورق، إلى جانب ضجره بتحقيقات المسئولين الحكوميين لدرجة أن "نابليون" رأى وجوب استمرار عزله فى المصحة، فتدهورت صحته للغاية، ومات فى 2 ديسمبر 1841.
وعند وفاته لم تنفذ وصيته، تلك التى خطها قبل 8 سنوات من الرحيل الأبدى، ودفن فى احتفال دينى، ووضع على قبره صليب من الخشب بدلًا من بذور البلوط، لكن الناس حرصوا على تنفيذ رغبته فى شيء واحد هو أنهم نسوه نسيانًا تامًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة