أثارت بعض تصريحات المسؤلين فى الآونة الأخير، حول تكلفة السجناء داخل السجون المصرية علامات استفهام كثيرة لدى الرأى العام، وهى التصريحات التى صدرت فى سياق عرض "مشروع قانون العقوبات البديلة"، الذى سبق أن قدمه المستشار سامح عبد الحكم رئيس محكمة جنايات شبرا، للبرلمان المصرى، لمناقشته، الأمر الذى أثار حالة من الجدل لدى المتخصصين، حول القانون، فكان لليوم السابع هذا الحوار مع المستشار سامح عبد الحكم صاحب مشروع القانون.. فإلى نص الحوار
مشروع قانون العقوبات البديلة يوفر للدولة حماية الكيان الأسرى والمليارات سنوياً
سبق وأعلنت أن تكلفة السجين على الدولة 3500 جنيه فى الشهر.. ما مدى دقة هذه الأرقام؟
هذه الأرقام حقيقية بالفعل، حيث إن احصائيات مصلحة السجون المصرية الصادرة عن عام 2015 أكدت أن كل سجين كان يتكلف مبلغ 2000 جنيه شهرياً، إلا أنه بعد تحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر 2016، ارتفعت سعر تكلفة وصارت تتراوح بين "3000 – 3500 " لكل سجين شهرياً.
ذكرت أن نسبة الغارمين داخل السجون تمثل 25%.. كيف يستطيع قانون العقوبات البديلة، القضاء على هذه النسبة؟
العقوبات البديلة التى يطرحها مشروع القانون بديلاً عن الحبس، هى العمل لصالح المجتمع بالمشروعات القومية أو المتوسطة أو الصغيرة، كعقوبة بديلة عن الحبس، ودفع "السجين" للتشغيل وتعلم حرفة براتب رمزي، وكذلك تفريغ السجون المقتظة بأصحاب «الجرائم البسيطة»، وهى التى لا تنطوى على خطورة إجرامية، وإنعاش خزينة الدولة.
والهدف الأسمى، هو تقويم سلوك المحكوم عليهم، وذلك بعد أن أثبتت الدراسات والتجارب الأمنية والاجتماعية خطورة دمج المحكوم عليهم فى جرائم بسيطة مع معتادى الإجرام وذوى الخطورة الإجرامية، لأن ذلك الاختلاط هو الأساس فى تكوين فكر وعقيدة ونزعة إجرامية.
كيف سيتعامل قانون العقوبات البديلة مع المحكوم عليهم.. وما هى أهدافه؟
هناك فهم خاطئ لمشروع قانون العقوبات البديلة، وللتوضيح، فإن العقوبة ستستمر كما هى وفقا للمدة بدون تغيير، وإنما سيتم تبديلها، وأغلب التشريعات العقابية الحديثة نصت على بديل للإجراءات العقابية، ومشروع القانون يضم 25 مادة ويسعى لتحقيق 15 هدفا، منهم "مراعاة حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية، وإعادة تأهيل المحكوم عليه، وتطبيق قواعد طوكيو وفق لمعايير الأمم المتحدة التى تتضمن بدائل للسجن وتدابير غير احتجازية، وتعديل ورفع مستوى التصنيف الدولى ومعاونة الدولة فى تحقيق العدالة الناجزة، وتقليص حجم الإنفاق على السجون والمؤسسات العقابية وتوفير هذه الموارد لصالح الدولة، ووقاية المجتمع من الجريمة وتأمين وتعزيز المساهمة فى الحفاظ على كيان الأسرة وتحويل السجين إلى منتج.
القانون ليس قرآنا
هناك ترسانة من القوانين فى مصر.. ماذا يضيف مشروع قانون العقوبات البديلة.. ولماذا لا يتم تطوير القوانين عديمة القيمة؟
لدينا بالفعل ترسانة قوانين، ولجنة الإصلاح التشريعى مطلوب منها "نسف" القوانين التقليدية القديمة التى لا تصلح ولا تتواكب مع التغيرات الأسرية والاجتماعية، وباتت لا تتناسب مع التغيرات التى طرأت على المجتمع، فالقانون "ليس قرأنً" ويتغير بتغير المجتمعات، ولابد من تغير الفكر العقابى "المتحجر".
وأذكر أنه إيبان فترة تولى المستشار عدلى منصور للحكم، كان هناك وزارة للإصلاح التشريعى، لكن للأسف تم إلغاؤها، وتم تشكيل لجنة الإصلاح التشريعى بديلاً عن "وزارة الإصلاح التشريعي" بوزارة العدل، وبالتالى "هنا انتهت".
القانون "خُلق" ليتواكب مع تطورات المجتمع، كما أن التعريف الأسمى والأبسط للقانون، "هو الحد الأدنى والأبسط للأخلاق"، ويعنى "ده صح أو ده غلط"، ومن الطبيعى أن يحدث أو يطرأ تغيرات على سلوكيات وأخلاقيات الشعوب، ومن ثَم فإن العقوبات لابد أن تتغير هى الأخرى، كذلك فإن أخلاق المجتمع وسلوكيات البشر تتغير، لذلك يجب أن تتغيير القانون، كما أن عودة وزارة الإصلاح التشريعى أمر ضرورى للغاية، لإعادة النظر فى كافة القوانين الموجودة، كما أنه لابد لنا أن نعى جيداً، مسألة أن القانون خُلق من صُنع البشر، لذا علينا الأخذ بمبدأ "يسروا ولا تعسروا".
العقوبات البديلة عامة للجرائم.. والتخصيص غير دستوري
هل تم سن مشروع قانون العقوبات البديلة للغارمين والغارمات فقط؟
المسمى الصحيح لمشروع القانون هو "مشروع قانون العقوبات البديلة"، أما الجزئية التى تتعلق بالغارمين والغارمات، فهى جزء من مشروع القانون وليس كله، حيث إن مشروع قانون العقوبات البديلة يصبح غير دستورى نتيجة للتمييز، إذا تعلق بـ "الغارمين والغارمات فقط"، بينما فى الحقيقة هو قانون عقوبات وتدابير بديلة شامل لكافة الجرائم البسيطة.
هل هناك دول قامت بتطبيق عقوبات بديلة على المسجونين.. ولماذا لم يتم إقرار القانون حتى الآن؟
نحن متأخرين جداً فى خطوة العقوبات البديلة، فهناك العديد من الدول العربية والأوربية طبقتها بالفعل، ومنها البحرين والجزائر والأردن، وللآسف التأخير بسبب "إننا لا نعمل إلا إذا طُلب منا العمل ومحدش بيبتكر من نفسه".
ومشروع القانون نا قدمته بشخصى لوكيل مجلس النواب، واعتبروها خطوة غير مسبوقة، ولم تحدث فى تاريخ البرلمان أن يقدم قاضى مشروع قانون، ولا يوجد تأخير من جانب البرلمان، لكن هناك ترتيب لمناقشة القانون وحاليا هو فى اللجنة التشريعية.
المتعاطى عندنا مجرم وفى التشريع الكويتى هو "مريض"
ذكرت أن أصحاب التهم البسيطة يشكلون عبئا على السجون.. كيف سيستفيد السجناء من القانون الجديد فى حال إقراره.. وما الفائدة التى ستعود على المجتمع من تشريع القانون؟
النهج العقابى الحديث، يحاول تغيير مفهوم العقاب ومنح الفرصة مرة أخرى للسجين، لأن الحكم بعقوبة الحبس، لا ينعكس فقط على شخص المحكوم عليه، وإنما على أسرته ومستقبل كلاهما، وبالعقوبة التقليدية فإن "المحكوم عليه" أصبح مشروع مجرم داخل السجن مهما كانت تهمته بسيطة.
وعلى سبيل المثال، فإن التشريع الجزائى الكويتي، يعاقب متعاطى المخدرات بإيداعه داخل إحدى المصحات العلاجية للعلاج من الإدمان ويعامل كمريض، كما أجاز للمحكمة عقاب المتعاطى بإيداعه إحدى المصحات التى يحددها وزير الصحة، إلى أن تقدم لجنة يتم تشكيلها من وزارة الصحة تقريرها عن المتعاطى بإطلاق سراحه أو استمرار إيداعه لفترة علاجية أخرى، لكننا وفقاً للنهج العقابى التقليدى نعتبر الشخص المتعاطى للمخدرات "مجرم"، ومن الأمثلة المؤسفة والمؤلمة، أنه قد يُعاقب طالب ثانوى أو جامعى اُلقى القبض عليه وبحوزته "قرص ترامادول" ويتم الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، من شأنها أن تقضى عليه وعلى مستقبله وأسرته.
قانون العقوبات البديلة.. دراسة ماجستير فى 2002
متى بدأت التفكير فى أزمة تعديل القوانين العقابية؟
مشروع قانون العقوبات البديلة أو "بدائل الحبس قصير المدة"، كان هو موضوع دراستى منذ 16 عاما فى رسالة الماجستير سنة 2002، وكان الأساس والملفت للنظر فيه، أن مسألة الحبس تعتمد على مفهوم الإيلام النفسى، وهو مفهوم قديم للعقوبة، والمفروض أن يتطور ويتغير، وللأسف الشديد، نحن متأخرين فى مواكبة السياسة العقابية الحديثة، كما أننا نتناول الموضوع بنمطية وبدون تجديد على الرغم من إننا نجدد ونطور فى الفكر الجنائى، أما الشق العقابى "مفيش تجديد أبداً" منذ أعوام مضت، والعقوبات بدون تطوير.