قبل أسبوع اتفقت 24 دولة تمثل منظمة أوبك و10 دول غير أعضاء من أكبر منتجى النفط فى العالم، على اتفاق تاريخى مغاير تماما لمسار القرارات السابقة، وتضمن القرار الأخير زيادة سقف الإنتاج اعتبارا من الشهر المقبل، ولكن لم يتحدد على وجه التحديد حجم الزيادة، وكانت التوقعات تشير إلى حوالى مليون برميل يوميا تعادل 1% من حجم الإنتاج العالمى.
وفى تطور جديد اليوم السبت، أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، عن أن العاهل السعودى الملك سلمان وافق على طلبه زيادة إنتاج النفط، وقال ترامب في تغريدة على موقع التدوينات القصيرة تويتر: "تحدثت للتو مع الملك السعودى سلمان وشرحت له أنه بسبب الاضطرابات والخلل في إيران وفنزويلا، أطلب بأن تزيد السعودية إنتاج النفط، ربما حتى مليونى برميل للتعويض.. الأسعار مرتفعة للغاية! وقد وافق".
وتعد الملكة العربية السعودية هى أكبر منتج للنفط فى العالم، وهى أثقل الدول وزنا فى منظمة الأوبك التى تضم 14 دولة منتجة للنفط. فى العادة لا ترتبط قرارات أوبك فقط بأوضاع السوق ولكن هناك الكثير من الاعتبارات السياسية التى تلعب دورا كبيرا فى أى قرار تتخذه المنظمة يؤثر على حجم الإنتاج والأسعار فى السوق العالمى.
الطلب الأمريكى مرجعه المخاوف العالمية من استمرار انخفاض حجم المعروض من النفط فى العالم جراء فرض عقوبات أمريكية جديدة على إيران وهى ثالث دولة منتجة للنفط فى منظمة الأوبك، بالإضافة إلى تراجع إنتاج دولة فنزويلا التى تشهد أحداثا سياسية واقتصادية أثرت كثيرا على حجم المعروض من النفط وهذا من شأنه التأثير على أسعار النفط بالارتفاع، خاصة مع زيادة الطلب العالمى على البترول خاصة من الولايات المتحدة التى تسعى للحصول على النفط بأسعار أقل.
كسر سعر النفط لحاجز الـ80 دولارا للبرميل والعودة إلى مستويات عام 2014 عند 100 دولار للبرميل كان هدفا لدول أوبك وعلى رأسها السعودية، التى عانت موازناتها كثيرا من تراجع أسعار النفط، الذى تعتمد عليه كمورد أساسى وربما وحيد أيضا، وكان هذا لهدف سببا رئيسيا للاتجاه الذى التزمت قرارات أوبك السابقة منذ عام ونصف بتخفيض الإنتاج منعا لمزيد من الهبوط فى الأسعار.
وكانت منظمة الأوبك توصلت إلى اتفاق تاريخى بخفض الإنتاج بواقع 700 ألف برميل يوميا فى نوفمبر 2016 على أن يسرى القرار اعتبارا من يناير التالى، وهو الاتفاق الأول منذ عام 2008، وجاء هذا الاتفاق على خلفية هبوط حاد لأسعار النفط التى وصلت لمستويات تقل عن 35 دولار للبرميل، بعد أن كان سعر النفط يتجاوز 140 دولارا للبرميل، وهو ما أثر بصورة كبيرة على موازنات الدولة المنتجة للنفط التى تأثر اقتصادها بشدة نتيجة انخفاض الأسعار للمنتج الذى يمثل مصدر الدخل الأول.
وتعد كل من السعودية وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية هم أكبر ثلاث منتجين للنفط فى العالم، ولكن روسيا وأمريكا ليسا ضمن الدول الأعضاء بمنظمة أوبك.
وشهدت أسعار النفط زيادة كبيرة خلال الأشهر الماضية، لتلامس مستوى لم تحققه منذ عام 2014 عندما كسرت العقود الآجلة حاجز الـ80 دولارا للبرميل، خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكى فرض عقوبات جديدة على إيران وهى ثالث أهم دولة فى منظمة الأوبك، وتراجع الإنتاج فى فنزويلا التى تعانى سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية، ولكن فى ظل مخاوف من انخفاض المعروض من النفط وحدوث أزمة فى السوق العالمى كانت هناك دعوات لمنظمة الأوبك لأن تعيد النظر فى السياسة التى انتهجتها طوال عام ونصف بتحديد سقف الإنتاج، وإقرار زيادة يتوقع أن تكون فى حدود مليون برميل يوميا.
بهذا القرار الأخير الذى أعلنه ترامب بموافقة السعودية على زيادة حجم إنتاجها بواقع 2 مليون برميل يوميا – وهى ضعف الزيادة المتوقعة – من شأنها إحداث خفض كبير فى أسعار النفط، وهو أمر جيد بالنسبة للدول المستوردة، ستوازن هذه الزيادة النقص المتوقع من الإمدادات العالمية من إيران وفنزويلا، ويتزامن ذلك فى الوقت الذى يمارس فيها الرئيس الأمريكى ضغوطا على الدول التى تستورد النفط الإيرانى، لإحكام العقوبات الأمريكية عليها.
كيف تستفيد مصر من قرار الأوبك بزيادة سقف الإنتاج؟
تتأثر الموازنة المصرية بصورة مباشرة بأى قرارات تتعلق بأسعار النفط، خاصة وأن نفقات دعم البترول تشكل جانبا لا بأس به من الموازنة، وخصصت موازنة العام المالى الحالى التى تنتهى فى 30 يونيو الجارى مبلغ 110 مليارات جنيه لدعم المواد البترولية على اعتبار سعر البرميل عند متوسط 56 دولارًا، ولكن ارتفعت الأسعار العالمية بصورة كبيرة خلال السنة المالية، مما جعل الحكومة تتقدم بمشروع قانون إلى البرلمان لطلب اعتماد إضافى بقيمة 70 مليار جنيه لمواجهة الزيادة الكبيرة فى أسعار النفط وفوائد القروض، ومن المتوقع أن تغلق السنة المالية عند دعم بترولى قيمته 125 مليار جنيه تقريبا.
فى الموازنة الجديدة التى تدخل حيز التنفيذ مطلع يوليو، رصدت الحكومة مبلغ 89 مليار جنيه لدعم المواد البترولية، اعتمادا على استمرار خطة تقليص الدعم التى بدأت منذ عام 2015، ولكن الخطة تعرضت لعقبات نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية خلال العالمين الماضيين، مما أدى لزيادة التكلفة التى تتحملها الدولة عن المتوقع فى الموازنة، وتوقعت الحكومة متوسط سعر برميل النفط عند 67 دولارًا للبرميل فى الموازنة الجديدة 2018/2019.
وتعد الموازنة المصرية من أكثر المستفيدين من اتفاق الأوبك بزيادة سقف الإنتاج، لأن هذا الإجراء من شأنه تخفيض أسعار النفط أو على الأقل وقف جماح زيادة الأسعار المتوقعة فى ظل تراجع حجم المعروض العالمى، وهو ما يعطى مساحة أكبر للتحرك فى ظل أسعار عالمية لا تشكل ضغطا متزايدا على الموازنة.
وطبقا للخطة المعلنة مسبقا تعتزم الحكومة تحرير أسعار بيع المواد البترولية تماما العام المقبل 2019، وفى هذه الحالة من المفترض أن تنعكس أى زيادة أو انخفاض فى الأسعار على سعر البيع للمستهلك بصورة فورية، بحيث يتم بيع اللتر طبقا لسعر التكلفة الذى تتحمله الحكومة بداية من مرحلة استيراده وحتى وصوله إلى محطة البنزين، وبالتالى عندما ينخفض سعر الاستيراد ستقل التكلفة كثيرا مما يعطى مساحة وإمكانية أكبر لعدم إحداث زيادات كبيرة فى الأسعار عن المستوى الحالى، وتخفيض السعر إذا انخفضت الأسعار بصورة أكبر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة