المشكلة فى الأردن ليست فى أسعار الوقود فحسب..
لكن تعديلات قانون ضريبة الدخل كانت المأساة الكبرى التى فجرت هذا العنف..
مشروع قانون ضريبة الدخل الذى أدى لتوسيع قاعدة الضرائب نحو فئات لم تكن مشمولة بهذه الضريبة من قبل، كان هو المفجر الأكبر لعمليات العنف والاعتداء على المنشآت العامة وقطع الطرق، ولتبسيط آثار هذا التعديل ينبغى أن تعرف أن ضرائب الدخل كانت تقف فى السابق عند دخل 24 ألف دينار سنويًا، وإذا أردت أن تحسب هذا الرقم بالمصرى فإن 24 ألف دينار تعادل مبلغًا وقدره 606 آلاف جنيه مصرى.
لاحظ هنا أن قيمة الدينار الأردنى مرتفعة جدًا بالنسبة للجنيه المصرى، وبالنسبة للدولار الأمريكى، إذ يصل سعر الدينار الأردنى الواحد ما يقرب من 1.41 دولار «تقريبًا».
جاء التعديل القانونى فى ضريبة الدخل ليشمل الدخل الأقل، ليصل إلى قطاعات لم تكن مشمولة بالضرائب من قبل، فنص التعديل على أن تشمل الضريبة من تصل دخولهم السنوية إلى 16 ألف دينار أردنى، أى ما يساوى 404 آلاف جنيه مصرى تقريبًا، وقد استهدفت الإصلاحات الضريبية فى الأردن تحصيل ما يقرب من 300 مليون دينار أردنى لعلاج الخلل فى الموازنة الأردنية، وتمكين الدولة من القيام بمهامها الرئيسية فى رعاية الفئات الأكثر احتياجًا، لكن هذا الغضب زلزل أركان الحكومة، وأدى إلى تراجعات خطيرة عن هذه الإجراءات.
معنى التراجع هو أن تبقى خسائر الدولة كما هى، ومعناه أيضًا أن تبقى الدولة مضطرة للاستدانة لعلاج عجز الموازنة، ومعناه كذلك أن الدولة تمشى فى طريق الانهيار لا الإصلاح، وأن الأجيال القادمة ستدفع ثمنًا أغلى بكثير مما كان يمكن للجيل الحالى أن يدفعه من أجل الحفاظ على الدولة الأردنية، ومن أجل استقرار بلادهم اقتصاديًا وسياسيًا بلا ديون وبلا أعباء.
المدهش هنا أننى بعد أن ذاكرت جيدًا ملف أسعار الوقود فى الأردن ضحكت كثيرًا على حالنا هنا فى مصر، ضحكت على الأسعار التى نتعامل بها هنا فى الداخل، وضحكت على المنظومة التسعيرية المذهلة التى قادت إلى إفقار أمتنا عامًا وراء عام دون أن يبادر أحد إلى وقف هذا النزيف.
هل تعرف سيادتك ما هى أسعار الوقود فى الأردن؟
هل تعرف حضرتك أن الأردنيين يشترون بنزين 95 بأكثر من 27 جنيهًا مصرى تقريبًا، حتى تاريخ التعديلات التى رفعت السعر ما يقرب من جنيه أو جنيهين آخرين «بالحسبة المصرية».
أى أن الأردنيين يشترون البنزين 95 بزيادة قدرها 22 جنيها تقريبًا، مرة واحدة عن سعره هنا فى مصر، وغضبهم تركز فى أن السعر يتغير شهريًا وليس سنويًا أو لمرة واحدة على طريقتنا هنا فى القاهرة، وسبب توسيع هذا الغضب أن الزيادة الشهرية الأخيرة جاءت متزامنة مع التعديلات التى أشرت إليها سابقًا فى قانون الضرائب على الدخل، وخفض الحد الأدنى المشمول بالضريبة للوصول إلى أسر دخلها أقل من 16 ألف دينار.
أسعار الطاقة فى الأردن وصلت بالفعل إلى المستوى العالمى، وتعد الزيادة الأخيرة هى الزيادة الخامسة لأسعار البنزين والسولار منذ بداية العام، أى أن الأسعار ارتفعت 5 مرات خلال أقل من 6 أشهر، وتقوم لجنة تسعير المشتقات النفطية فى الأردن بتحديد أسعار المشتقات «شهريا» حسب الأسعار العالمية لهذه المشتقات.
الأخوة الأردنيون يشترون البنزين والسولار والبوتاجاز بالأسعار التى يوضحها لك هذا الجدول، وهو يوضح السعر بالدينار الأردنى، وبالدولار الأمريكى للمقارنة مع الأسعار العالمية، وبالجنيه المصرى لنعرف المسافة الكبيرة التى تفصلنا نحن هنا فى مصر، عما يجرى فى الأردن الشقيق.
أسعار الوقود فى الأردن
الجدول صادم بالفعل، لكن هذه هى حقيقة الأسعار العالمية، ولا أستطيع هنا إلا أن أكرر ما قلته لك بالأمس حول هذه القضية نفسها، إن الحكومات فى العالم العربى تحتاج أحيانًا لمن يتعاطف معها أو يشفق عليها أو يمد يده ببضع جنيهات يضعها فى جيبها ليساعدها على تحمل المسؤوليات والتحديات اليومية الهائلة..
والحكومات التى تعانى من نقص فى الثروات البترولية، وتضطر للاستيراد من الخارج بالأسعار العالمية، لن تتمكن من أن تعالج عجز الموازنة إلى الأبد، هذه الحكومات ستبقى فى نزيف مستمر، وإذا قامت هذه الحكومات بعلاج هذا العجز من الديون لتأمن من غضب الشعوب، فإنها ستكون حكومات محتالة، تخدع الشعوب، الحكومات التى تخاف من الغضب، وتتراجع عن القرار الصحيح، هى حكومات مخادعة للناس، تريد أن تنجو بنفسها، لكنها لا تريد أبدًا أن تنجو أوطانها من غدر المستقبل.
الحل ليس فى نفاق الشعوب بالكلام الحلو..
الحل ليس فى تهدئة الشعوب بأموال زائفة بالديون..
الحل فى أن تتحمل الشعوب العربية مسؤولياتها الحقيقية بأن تعرف الشعوب الفقيرة فى الموارد أنه لن يسدد دينها أحد، ولن يعالج فقرها أحد، الشعوب يجب أن تواجه التحديات، الحكومات ما هى إلا مجموعة صغيرة من الإداريين الذين يتحملون المسؤولية نيابة عن الشعب، لكن المسؤولية الحقيقة هى على الشعب، أن يدفع ثمن ما يستهلك، وأن يرشد من حياته، ويضاعف من إنتاجه، وليعلم أن الحكومات لا تبتهل فيهبط عليها المن والسلوى، أبدًا لن يحدث.
أخيرًا:
اقرأوا الجدول السابق جيدًا.. لتعرفوا كم تتحمل الأردن من عجز..
ثم اقرأوه جيدًا لتعرفوا.. كم تتحمل مصر أيضًا من نزيف وخسائر..
لا تخدعوا أنفسكم، ولا تنافقوا الناس..
أنقذوا الأوطان بالمصارحة والمكاشفة وتحمل التحديات المشتركة سويًا..
بلادنا من وراء القصد.