هل أنت صلبٌ ؟ حسنًا فما هى الصلابة إذا ؟
قبل الدخول فى قبو التفاصيل ؛ تطرح مجموعة من التساؤلات نفسها ، ومنها ما هى الصلابة النفسية؟ وما هى سمات الشخصية التى تتميز بها؟ وهل للضغوط النفسية دورًا فى نشأتها؟ كل هذه الأسئلة، وما يتفرع عنها بالضرورة من أسئلة ثانوية هى محور السطور التالية .
يعود مفهوم الصلابة النفسية إلى كوبازا Kobasa ؛ والتى توصلت لهذا المفهوم بهدف معرفة المتغيرات النفسية، التى تكمن وراء احتفاظ الأشخاص بصحتهم الجسمية والنفسية، رغم تعرضهم للضغوط، وتعرف كوبازا الصلابة النفسية بأنها؛ "اعتقاد عام للفرد فى فاعليته وقدرته على استخدام كل المصادر النفسية والبيئية المتاحة، كى يدرك ويفسر ويواجه بفاعلية أحداث الحياة الضاغطة".
وبهذا المعنى فإن الصلابة النفسية مرحلة يصل إليها الفرد بعد تعرضه لمجموعة من الضغوط، والتى توضح قدرته على تحمل مختلف هذه الظغوط، مع احتفاظه بالاتزان الداخلى و الخارجي، ولما تميز عصرنا الحالى بكثرة الضغوطات النفسية، وتعددت روافدها، نظرًا للتغير السريع فى جميع آليات ذلك العصر، فكان لزامًا على الفرد أن يواجه الكثير من التحديات عن طريق تحديد أهدافه وتلبية احتياجاته، وذلك وصولًا للتوافق الشخصى والاجتماعي، ومن خلال تفاعل الإنسان مع البيئة؛ فإنه يصبح فى حاجة دائمة لعملية موائمة مستمرة بين مكوناته الذاتية والظروف الخاصة، وهذا ما يطلق عليه أساليب مواجهة الضغوط؛ والتى يسعى الفرد من خلالها لتحقيق التوازن بين ذاته وظروفه الخارجية؛ سواء بتغيير ما بداخله، مثل أساليبه فى التعامل مع البيئة، أو تعبئة طاقاته، أو تغيير أفكاره ، أوتعديل أهدافه وطموحاته ، أو حتى بتغيير البيئة المحيطة به.
وتتكون الصلابة النفسية من:
أ – الالتزام: وهو اعتقاد الفرد فى حقيقة وأهمية وقيمة ذاته وفيما يفعل، وذلك من خلال قيمة الحياة التى تكمن فى ولاء الفرد لبعض المبادئ والقيم، واعتقاده أن لحياته هدفاً ومعنى يعيش من أجله.
ب- التحكم: أى الاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرار ومواجهة الأزمات، وتحمل المسئولية لكل ما يحدث.
ج- التحدى : ويشير لاعتقاد الفرد أن ما يطرأ من تغيير على جوانب حياته هو أمر مثير وضرورى للنمو أكثر من كونه تهديداً له، ويساعده على استكشاف البيئة ومعرفة المصادر النفسية والاجتماعية التى تساعده على مواجهة الضغوط بفاعلية، ويظهر التحدى فى اقتحامه المشكلات لحلها، وعدم الخوف عند مواجهتها، والقدرة على المثابرة.
وبناءًا على ما سبق؛ تصبح سمات الشخصية ذات الصلابة النفسية هي؛ التعامل الجيد مع الضغوط، والاحتفاظ بالصحة الجسمية والنفسية، وعدم تعرضها للاضطرابات السيكوفسيولوجية الناتجة عن الضغوط؛ كأمراض القلب والدورة الدموية، وتتميز أيضًا بالتفاؤل والهدوء الانفعالي، والتعامل الفعال والمباشر مع الضغوط؛ حيث تستخدم التقييم وإستراتيجيات المواجهة بفاعلية، وهذا يشير أنه لدى تلك الشخصية مستوى عالى من الثقة النفسية، فتقدر الموقف الضاغط بأنه أقل ضغطًا، ثم تعيد بناءه إلى شيء أكثر إيجابية، فتصبح أكثر صموداً ومقاومة، وإنجازاً، وضبطاً داخلياً، وقيادة واقتداراً، ونشاطاً ودافعية.
ويبدأ الفرد الصلب نفسيًا فى النظر لضغوطات الحياة بنظرة مغايرة؛ إذ يبدأ بالاعتقاد فى قدراته على تحقيق أهدافه مهما كانت العقبات أمامه، فيصبح قوى فى اتخاذ قرارته من قرارة نفسه، دون تأثير من الآخرين ، ويبدأ بتمسكه بالمباديء والقيم، وينمى حب الاستطلاع لديه ، ومن ثم يخطط بحكمة لمستقبله ، ويتيقن بأن نجاحه فى أموره سواء دراسة أو عمل، أو غيرها؛ يعتمد على رعاية العناية الإلهية ثم مجهوده ، وليس على الحظ أو الصدفة، فيتحلى بالصبر والتواد، والتعاطف، والتحمل، وهذا كله هو أساس الصلابة النفسية .
وبهذه الصفات؛ توجد فروق واضحة بين ذوى الصلابة النفسية وبين عديمى –أو منخفضي- الصلابة، حيث يعرف الثانى بسمات مغايرة نوعًا ما للأول؛ ومنها شهرته بالخضوع، وحب الاستعراض، وكثرة التغيير بما لا فائدة منه، ولوم الذات بشكل أشبه بجلدها، فيتحول لشخصية باهتة.
ومن هنا فإن الصلابة النفسية؛ هى المرحلة التالية لضغوطات الحياة، والتى أشبهها بمرحلة النحت والتقويم، التى تنحت بعض من الصفات غير المريحة فى شخصية المرء منا ، فتبدأ فى تهذيب سلوكه، وتحسين مساره، وحتى فى تنشيط أفكاره وتنقيتها من بعض الشوائب ، ولا أعنى بذلك درجة الصلابة التى تجعله مهيب الجانب، أو الصلابة التى قد تجعل من صاحبها قطعت من الجرانيت الصلب ، التى قد تنكسر يومًا، بل أعنى الصلابة الرشيدة ، التى تتميز بالتبصر العقلى ، وتطوير الذات، وتصبح الثقة بالنفس أحد أهم أركانها، وهى النهوض من العثرات ، والتطور الدائم ، أو أن يلخص كل ما سبق بأن الصلابة النفسية هى أن تأنس بالله وحده .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة