فى كتاب "بول ريكور"، الذى يأتى بعنوان "الانتقاد والاعتقاد" ترجمة حسن العمرانى، والصادر عن دار توبقال، يقول الكاتب فى المقدمة: "لا مناص من أن الفيلسوف يتمسك بروح الانتقاد تمسك السمكة بعنصرها المائى، بيد أن الانتقاد الذى نحن بصدده ها هنا يكاد يكون خانقا، إذ يكبس على أنفاس الفكر تماما مثلما كانت تصنع الدوجمائيات من قبل، كما لو أن قدر مجتمعاتنا هو التأرجح الدرامى بين الغلو الدغمائى والتطرف الريبى".
وقد نبه ريكور، فى مؤلفه "الذاكرة، التاريخ، النسيان" إلى أن الأمور تغيرت كثيرا عما كانت عليه فى عصر الأنوار "فقد كان هم الأنواريين هو الاعتراك مع الاعتقاد الساذج والدجل الفكرى، فصارت المعركة اليوم تخاض ضد الجحود والارتياب وإرادة النسيان، لأنه متى لم يعد هناك اعتقاد نتشبث به، ولا بقى بين أيدينا ما نؤمن به، فإن كل شىء سيتبخر ويتحول إلى هباء منثور، بما فى ذلك الشهادات المدوية التى سيحكم عليها بالتزام الصمت والخرس، وبالمقابل، فإن الاعتقادات الصحيحة لا تتهرب بتاتا من المواجهة النقدية، فليس بوسعنا إذن، فى رأى ريكور، المقابلة بصورة سطحية بين الانتقاد والاعتقاد: فالفلسفة الأكثر نقدية تتضمن لا محالة اعتقادات قوية، والاعتقاد الدينى يتوفر اليوم من دون شك على حس نقدى لم نعد نجد له نظيرا فى مجتمعاتنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة