لم تكن هذه هى روسيا التى يعرفها شباب أوروبا الغربية، كما علمتها لهم أفلام جيمس بوند فى السلسلة الشهيرة «007»، روسيا التى عاشوا فيها واستمتعوا بها، وشاركوا أهلها الطعام والشراب وركوب القطارات والباصات العامة خلال أيام المونديال، ليست هى روسيا التى رسمتها الأفلام الأمريكية والبريطانية خلال سنوات الحرب الباردة وما بعدها، روسيا فازت بما هو أكبر من كأس العالم حين حطمت هذه الصورة النمطية التى رسمها للروس إعلام الغرب على مدى أكثر من ستة عقود متتالية، عرف الشباب فى أوروبا أن الروس منظمون، وأبدعوا فى تنظيم بطولة كأس العالم ببراعة، وعرف هؤلاء الشباب أن الروس لديهم شغف بالتعاون مع العالم، وأن أبناء المجتمع الروسى يتطلعون للتواصل مع شعوب الأرض بلا عجرفة أو غلظة أو خطط للتجنيد فى المخابرات الروسية.
موسكو التى احتفلوا فى شوارعها لا يملأها القتل المجانى، أو تسيطر عليها المافيا، أو تنتشر فيها السرقات وعلب الليل، لكنها مدينة متحضرة راقية لا تقل عن مدنهم هناك فى الغرب الأوروبى أو الولايات المتحدة الأمريكية، الشعب الروسى لا يعمل فى عصابات القتل المنظمة، أو تهريب البشر، لكنه شعب مفعم بالحيوية ويعمل باجتهاد فى كل الوظائف طلبا للرزق، وأملا فى أن يسترد عافية بلاده اقتصاديا من جديد، شباب أوروبا جاوروا الشعب الروسى فى المدرجات ليعلموا أن بينهم آلاف الأطباء المميزين، وعشرات المهندسين المبدعين، وآلاف الطلاب المتحضرين الذين عاملوا جماهير العالم بمحبة وبكرم وبحرص هائل على أن تتغير هذه الصورة المخيفة التى رسمها جيمس بوند فى أفلامه عن «روسيا الأم» «mother Russia» المخيفة والمرعبة والغامضة والاستخباراتية دائما.
الروس أعدموا جيمس بوند فى ساحات المونديال، وفى مناطق المشجعين التى استضافت بحفاوة وبتنظيم مذهل كل أمم الأرض، الروس أعدموا جيمس بوند وهذه الفئة من أفلام الحرب الباردة داخل الملاعب الرياضية، وبذكاء الرئيس فلاديمير بوتين، وببراعة وأدب المنتخب الوطنى الروسى، وبعبقرية التنظيم لكل مناحى الحياة فى البلاد خلال شهر المونديال.
هذه الصور النمطية التى خلقها الغرب فى أفلامه انتهت عمليا مع نهاية المونديال، ولا أظن أن الإعلام الغربى أو السينما الأمريكية ستكون قادرة، مهما أنفقت من أموال، ومهما أبدعت من صور سينمائية أن تسترد هذه الصورة إلى الأذهان من جديد، لأن شعوب أوروبا رأت ما يدور فى الداخل رأى العين، وعاشت مع الشعب الروسى فى لحظات تاريخية مهمة لا يمكن أن يمحو آثارها فيلم فى السينما، أو مقال فى الجارديان، أو افتتاحية فى النيويورك تايمز.
كثير من الصور النمطية كسرها هذا التنظيم المبدع للمونديال، وربما اخترعت بعض الصحف الغربية قصة رمضان قديروف رئيس الشيشان ولقائه بالنجم المصرى محمد صلاح، لأنها أخفقت فى البحث عن ثغرة أخرى تنفذ منها إلى ما سطرته روسيا من تاريخ جديد فى علاقتها المباشرة مع الرأى العام فى أوروبا الغربية، وما صدرته من صورة جديدة عن المجتمع الروسى غير تلك التى سعت لزرعها سلسلة أفلام جيمس بوند وعشرات الأفلام السينمائية الأخرى.
روسيا فازت بكأس العالم سياسيا بلا منازع.
انظروا ماذا يفعل النظام فى الأمم، وانظروا كيف يمكن لبلد أن تكسر تابوهات تاريخية بتنظيم مجموعة مباريات فى كرة القدم.
قضية للمذاكرة الوطنية.
وتبقى مصر من وراء القصد