رأى الكاتب البريطانى جدعون راخمان أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يُقدّم الاقتصاد على المثاليات والقيم فى منهجه السياسى إزاء العالم.
واستهل راخمان مقاله بالفاينانشيال تايمز، منوها عن أنه ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وثمة إجماع ملحوظ داخل مؤسسة الولايات المتحدة بشأن السياسة الخارجية؛ وقد دعم الجمهوريون والديمقراطيون على السواء شبكة عالمية قوامها تحالفاتٌ تقودها أمريكا وضماناتٌ أمنية.
ونبه راخمان إلى أن القيادات فى كلا الحزبين - من جون كنيدى إلى رونالد ريجان وصولاً إلى بوش الأب والإبن وكلينتون الزوج والزوجة- اتفقوا جميعا على أنه كان من مصلحة أمريكا دعْم التجارة الحرة والديمقراطية حول العالم.
وقال الكاتب إن ترامب انقلب على إجماع واشنطن؛ ولقد بدا عزوف ترامب عن مبادئ السياسة الخارجية الأمريكية صعبًا لدرجة أن العديد من منتقديه الرافضين أفكاره يرون فيها نِتاج فِكْرٍ مضطرب؛ لكن هؤلاء مخطئون: ذلك أن المتأمل سياسات ترامب يلحظ فيها مذهبًا سياسيا متماسكا.
وميّز راخمان أربعة مبادئ أساسية يرتكز عليها منهج ترامب إزاء العالم: المبدأ الأول، هو "الاقتصاد أولاً"؛ ومنذ البداية أوضح ترامب أن "عودة مجد أمريكا" سيكون على عجلات من الاقتصاد؛ وفى سبيل هذا الهدف، جعل ترامب يركز على بلدان يعتقد أن لديها فائضا تجاريا مع الولايات المتحدة.
المبدأ الثانى فى منهج ترامب، هو الحديث عن "الدول وليس المؤسسات"؛ وإذا كان معظم الرؤساء الأمريكيين السابقين قد أعربوا عن إحباطهم بين الفينة والأخرى من مؤسسات دولية، كالأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومجموعة السبع - فإن ترامب قد نقل الأمر إلى مستوى آخر هو مجابهة الدول منفردة بدلا من المؤسسات.
وفى هذه المواجهات الفردية تكون لأمريكا الكلمة الأخيرة بحكم تفوقها فى الحجم؛ بخلاف الأمر فى الهيئات المتعددة الأطراف، حيث يمكن أن تتكاثر الأصوات ضد الولايات المتحدة، ومن هنا رأى ترامب أن أفضل ما يمكنه عمله إزاء تلك المؤسسات هو أن يجتنبها.
المبدأ الثالث فى منهج ترامب، هو "الثقافة وليس القيم"؛ لطالما كان الالتزام الخطابى على الأقل بتدعيم قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان فى القلب من نهْج أمريكا الذى انتهجه كافة رؤسائها بعد الحرب العالمية الثانية - أما ترامب فهو على النقيض ممن سبقوه، لا يُظهر اهتماما كبيرًا بتدعيم قيم الديمقراطية أو حقوق الإنسان.
ورأى الكاتب أن مفهوم ترامب عن الغرب ليس قائما على القيم المشتركة، وإنما على الثقافة، أو حتى على العرقية؛ وهذا يفسر اهتمام ترامب الزائد بالسيطرة على الهجرة، التى يراها بمثابة التهديد الحقيقى للغرب؛ وقد عبّر ترامب عن وجهة النظر هذه فى رحلته الأخيرة إلى أوروبا، قائلا إن الهجرة شيء "سيء جدا لأوروبا، ذلك أنها تغيّر الثقافة".
المبدأ الرابع فى منهج ترامب، هو "مناطق النفوذ والمصالح"؛ إن ترامب غير مؤمن بالقيم والقواعد العالمية؛ وعليه، فأيْسر على ترامب أن يقبل فكرة أن العالم يمكن أو ينبغى أن يُقسّم إلى "مناطق نفوذ" تسيطر فيها قوى عظمى كالولايات المتحدة وروسيا والصين على المناطق المحيطة بها.
وإذا كان ترامب لم يصرّح عن ذلك المبدأ بشكل صريح إلا أنه ألمح إليه فى اقتراحه أن شبه جزيرة القرم هى بطبيعتها جزء من روسيا - وأيضا فى تساؤله المتواتر عن جدوى التحالفات الأمريكية العالمية.
واختتم الكاتب قائلا إن مشكلة سياسات ترامب ليس فقط فى أنها راديكالية وإنما فى أنها خطيرة؛ ذلك أن أمريكا تحتاج إلى حلفاء، كما أن تقويض نظام التحالف الذى تقوده أمريكا وتدعيم "مناطق النفوذ" كفيل بتشجيع توسّع النفوذين الصينى والروسى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة