عندما تجد نفسك تفتش فى داخلك عن شيء فى الماضى فإعلم إنك تتمتع بروح فنان يفتقد جمال العصر الذى لم ينشأ فيه بل يسمع عنه من حوله محاولاً العودة بالذاكرة إلى الخلف او سؤال من عاصر هذا العصر حتى تتنسم به رائحة الزمن الجميل، فى الحقيقة أحببت ان أتحدث اليوم عن فنان من طراز خاص قلما تجد مثله فى عصرنا هذا، فنان مؤسس لشكل غنائى فريد من نوعه، كلما استمعنا ألحانه الجميلة نشعر بأننا سابحين فى بحر الخيال، أو نسير على شاطئ البحر وننصت إلى أصوات الطبيعة وهى تداعب الخيال ،نحن اليوم سوف نتكلم عن الفنان سيد درويش مواليد 17 آذار / مارس 1892 فى حى كوم الدكة بمحافظة الإسكندرية ونظراً للبساطة الشديدة فى هذا الحى لم يكن به مدارس فأرسله والده درويش البحر الذى كان يعمل نجاراً إلى الكُتاب لحفظ القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة ، توفى والده وهو فى العاشرة من عمره ، وتزوج سيد وهو فى عمر ال16 من عمره مما اضطره للعمل فى أكثر من مجال حتى يعول أسرته ، أول من اكتشف فى سيد درويش موهبة الغناء والفن زملاؤه فى العمل ولاحظ رب العمل أنه كلما تغنى سيد كلما زاد الانتاج ولاحظ ان زملاؤه يتفاعلون معه اثناء الغناء فطلب منه ان يتوقف عن الاعمال اليدوية ويقوم بالغناء فى كل يوم من أيام العمل فى مقابل أخذ أجره بالكامل ، وفى عام 1909 ذاع صيت أغانيه حتى وصلت إلى أمين وسليم عطا الله وهم كانوا يديرون أحد الفرق المسرحية فى سوريا فى ذلك الوقت فدعوه بالعمل معهما فلبى دعوتهما ووجد ان الأجر الذى كان يتقاضاه فى سوريا لا يكفى لمعيشته ومعيشة أسرته ولكنه عاد إلى الاسكندرية بعد ان أكتسب ثروة فنية زاخرة من الموسيقار عثمان الموصلى فى حلب ، وأضاف إلى مخزونه المزيد من الأعمال لعبده الحامولى والشيخ حسن الأزهرى والشيخ سلامة حجازى وتنقل ما بين مقاهى الإسكندرية لتقديم أغانيه وكانت بداياته فى التلحين ( دور يا فؤادى ) ثم العديد من الأغانى اما تغنى بها بنفسه او تغنى بها آخرون حتى وصل صيته إلى الشيخ سلامة حجازى الذى أتى إليه من القاهرة خصيصاً للأستماع إليه بنفسه فأعجب كثيراً بموهبته وطلب منه العمل معه فى القاهرة ، كان سيد درويش يقدم فقراته الغنائية بنفسه فى فرقة الشيخ سلامة حجازى ولكنه لم يجد تفاعلاً من الجمهور مما أصابه بالضيق فعاد إلى الإسكندرية مرة آخري،ولكن الشيخ سلامة حجازى ألح عليه بالعودة إلى القاهرة مرة آخرى والعمل فى فرقة الفنان المسرحى الكبير جورج أبيض لوضع موسيقى العمل المسرحى بالكامل ، فى عام 1917 ذاع صيته وتهافتت الفرق المسرحية من أجل الحصول على أعمال هذا الفنان المبدع ، ارتبط اسمه بكبار الفنانين فى ذلك الوقت امثال نجيب الريحانى وعلى الكسار ومنيرة المهدية وغيرهم وعندما أتت ثورة 1919 صار سيد درويش داعماً قوياً لها واتخذت أعماله أتجاهاً جديداً وفى تلك الفترة تعرف على الشاعر بيرم التونسى الذى كان ملاحقاً من الأنجليز فقام بأخفاؤه فى منزله وأطلق أغنية خاصة بسعد باشا زغلول بالاضافة إلى الأغنية الشهيرة ( يا بلح زغلول ) وبالرغم من ما فى هذه الأغنية من ثورية الا ان المستعمرون لم يدركوها الا فى وقت متأخر ،وقام با قتباس كلمات الزعيم الوطنى مصطفى كامل بلادى بلادى لكى حبى وفؤادى والتى صارت بعد ذلك النشيد الوطنى ، فى عام 1920 نشأت فرقة سيد درويش وكانت أول أعمالها العشِرة الطيبة للكاتب محمد تيمور ،وكانت التجربة الأشمل مع بيرم التونسى فى مسرحية شهرزاد ثم الباروكة المأخوذة عن نص اجنبى وقام بكتابة مقامات فى الموسيقى وقام بالتوقيع عليها خادم الموسيقى سيد درويش ،وبعد ذلك نشر نوتاته الموسيقية فى كتاب وبالرغم من كونه لم يدرس الموسيقى ولم يستمر طويلاً فى مساره الفنى نظراً لوفاته المبكرة الا انه بلا شك فنان من طراز خاص استطاع ان يسعدنا بأعماله التى صارت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأسمه وبالمحافظة التى نشأ فيها وهى محافظة الإسكندرية ، من أشهر أعماله زورونى كل سنة مرة التى تغنت بها الفنانة الرائعة فيروز واهو دا اللى صار والحلوة دى ولا يمكن ان نغفل تلحينه للنشيد الوطنى والذى اعتِبر بعد ذلك كيان أساسى للشخصية المصرية، رحم الله الفنان المبدع سيد درويش
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة