إن غياب الدين وقيمه وأخلاقه هو السبب فى شقاء الإنسان واضطرابه
المهمة الرئيسية لبعثة النبى، صلى الله عليه وسلم، تتمثل فى «إنَّما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فبكمال الأخلاق يكمل الإسلام، وليس لنا أن نختار أو نتحيز لخلق دون آخر.
ومما علمنا إياه الإسلام «أن تعطى كل ذى حق حقه».
«و كل ذى حق» تشير إلى كل الناس، كل صاحب حق عندك أو مشترك معك، لم يحدد شروط لصاحب الحق من حيث الدين أو الجنس، ونرى هذا الشمول فى قول ربنا «و قولوا للناس حُسْنًا».
ولقد وضع الإسلام القواعد التى يجب أن يلتزم بها كل مسلم فى التعامل مع الآخرين، فأولًا: حذر ربنا أنه «لا إكراه فى الدين»، كما وضع أسس الحوار مع أصحاب الديانات الأخرى «و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن».
وفى مجال الدعوة إلى عبادته قال: «ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ » النحل.
وفِى القرآن الكريم والسُنَّة النبوية تتعدد الأمثلة التى تبين حرية العقيدة وتوضح أسس التعامل والحقوق المتبادلة، لكى نحيا حياة آمنة عادلة للجميع.
والتعايش وحسن العشرة والبر مع الإنسان وخاصة أهل الكتاب فريضة حياتية، وتشريع إلهى، قال الله «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».
وهذا يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الإسلام هو دين السلام، دين كرم الإنسان وفضله على جميع المخلوقات، وجعل حرمة الدماء غالية، وحذر من استباحها بغير حق «فكأنما قتل الناس جميعًا».
وبعد كل هذا نجد من يحارب السلام والتعايش المشترك، المبنى على احترام وتقدير الآخر ومراعاة الحقوق، بدعوى «التدين» والأديان منهم براء، وفى الحقيقة هؤلاء الذين تعانى منهم البشرية بسبب فهمهم الخاطئ للدين كدين «مع العلم أن الإرهاب لا دين له وأكثر من يصطلى بناره: المسلمون»، فهؤلاء يحسنون الإماتة، ولا يحسنون الإحياء.
وهنا أُسجِّل كلامًا عبقريًّا للشيخ المفكر محمد الغزالى، رحمه الله، وقد ردّ على أصحاب الأفكار المتشددة، والأفكار السطحيّة الهدّامة الذين لا يحسنون فهم الدين فهمًا دقيقًا، والذين رفضوا الديمقراطية بحجة أنها من المبادئ الأجنبية المُستوردة مِن الغرب والتى ينبغى ألّا تأخذ بها الأمة الإسلامية، قائلًا:
«هذا والله كلام جميل، يبقى أن نكشف لِلنَّاس ما لدينا، ونقول لهم: هذا عِوضٌ عن ذاك، إننا نرفضُ ذاك الدخيل، ونقدّم بدله هذا الأصيل: الشورى الإسلامية بدل الديمقراطيّة الغربيّة، وعلى العلماء أن يكشفوا أسبابَ التفضيل وجوانبَ الترجيح».
وقال الشيخ الغزالي، رحمه الله، وهو يصوّرُ واقع المتشددين: «إنّ الديمقراطيّة الغربية امتدت فى الفراغ الذى صنعتموه أنتم، ووجدَتْ لها عُشّاقًا؛ لأنَّ تصوركم للحقائق الدينية والمدنيّة بالغ التشويه... إِنَّكُم تُحسنون الإماتةَ ولا تُحسنونَ الإحياءَ، تقولون باسم الله: هذا حرامٌ!..»
وأنا أقرأ هذا الكلامَ وقفتُ متأمّلًا إيّاه، وخاصّة قوله، رحمه الله «إِنَّكُم تُحسنون الإماتةَ ولا تُحسنونَ الإحياءَ»، إنّه يُشخّصُ المأساة تشخيصًا دقيقًا، وساءلتُ نفسى: لماذا وصلنا إلى هذا المستنقع الآسن، مستنقع التشدد والتنفير والتعسير؟!
أليس ديننا يحثنا على التيسير لا التعسير، والتبشير لا التنفير؟
أليس قد قال الله: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّين مِنْ حَرَجٍ»؟
أليس من ميادين الجهاد العظيمة أن نبلغ هذا الدين بلاغًا حقيقيًّا يحوطُهُ التيسير والسماحة مِن كل جوانبه؟!
إذن، فما الذى حدث؟!
الأسبابُ كثيرةٌ، لعلّنا نأتى عليها بعد ذلك بشىء من التفصيل، ولكن ما يهمنا الآن أننا أمام أنُاس يتكلمون فى الدين والفتوى كلامًا يُهَدِّد وحدة الأمّة، ويهزّ كِيَانَهَا.
وكما قال الغزالى: «فإنّ الريح النَتِنَة ماتزال تهبُّ مِن بعض الجماعاتِ التى تحترفُ، للأسف الشديد، خدمة الإسلام».
نحتاج إلى بذل جهد، وقوة يقين، لاستنقاذ الأمة من ويلات التشدد والأفكار المتطرفة «الدينية - اللادينية»، فإنّ المجتمع المسلم لايزال المرض ينخر قواه المنهوكة، ومن هنا كانت الحاجة للتوعية والتعريف بحقيقة الأديان بعيدًا عن المغالاة والتعصب، ونشر مفهوم السلام بين كافة الثقافات والشعوب، وإتاحة الفرصة للقاء بين أصحاب العقائد المختلفة ليقترب كل منهم من فكر الآخر، ولهذا فكّر الأزهر الشريف أن ينتقل من إطار التنظير إلى إطار التنفيذ فيما يتعلق بقضية السّلام، فتم عقد «منتدى شباب صناع السلام» بالتعاون مع «أسقفية كانتربرى» فى لندن، وتم اختيار الحضور من الشباب من ثقافات متعددة منهم من يمثلون الشرق والفكر الإسلامى، ومنهم من يمثلون الغرب والفكر المسيحى، حتى يكونوا نواة لقيادة البشرية نحو السلام، فهم المستقبل والأمل فى غد أفضل للبشرية، لأن لدى كل منهم حلما بأن يعم السلام سائر أنحاء الدنيا، ولهذاكانت إجابة شيخ الأزهر عن أحد الأسئلة حول رؤيته واقتراحاته حول هذه القضية هى: «إنكم أنتم الأمل ونحن هنا لنستمع إلى تطلعاتكم واقتراحاتكم أنتم».
ومن كلام فضيلته أيضا: «إن غياب الدين وقيمه وأخلاقه هو السبب فى شقاء الإنسان واضطرابه».
وأكد فضيلته أن أولى الخطوات الصحيحة هى التقاء الشرق والغرب على مصلحة «إنسانية» مشتركة وسيلتها هى الحوار لتصحيح رؤية الغرب للشرق، والشرق للغرب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة