بأقدام تتحدى العادات وتسجل أحلاما كانت من المستحيل أن تتحقق فى مجتمع صعيدى اقتصرت نظرته للفتاة طيلة سنوات مضت أنها فقط زوجة لا تصلح لشئون أخرى سوى شئون المنزل والأولاد.
وبجانب هذه الرسالة العظيمة التى خلقت الأنثى من أجلها، نجد فى محافظة أسوان أقصى صعيد مصر نماذج استطاعت أن تثبت كيف تطورت المجتمعات والأسر الصعيدية، فلم يصبح عمل المرأة هو الإنجاز الوحيد بل اقتحام المرأة لمجالات عديدة يثبت كيف أصبحت الأنثى الصعيدية فى مصر، وخير دليل على ذلك هو تكوين عدد من الفرق الرياضية لكرة القدم النسائية، يتدرب خلالها فتيات من سن 14 عاما على ممارسة كرة القدم وتكوين المهارات المختلفة من الهجوم والدفاع وتنفيذ الخطط الفنية للمدرب باحترافية عالية.
فريق الكرة النسائية بأسوان يرفع شعار البنت زى الولد
فى مركز شباب حى قدرى عثمان بمنطقة المحمودية بأسوان، تجتمع الفتيات كل يوم جمعة برفقة أسرهن الذين يأتون خصيصا للاستمتاع بمشاهدة بناتهن وهن يلعبن كرة القدم، ترتدى الفتيات الزى الرياضى وتنطلق فى الملعب فلم يصيبك سوى الفخر والدهشة، والتساؤل لماذا فضلن هؤلاء الصغار ممارسة هذه الرياضة وكيف تمكن من إقناع أسرهن بممارستها؟.
التقى "اليوم السابع" كابتن عيد مارادونا، مدرب إحدى الفرق النسائية لكرة القدم بمحافظة أسوان، ليروى عن تجربة ممارسة الفتيات لكرة القدم، حيث أوضح قائلا: بدأت فى تكوين أول فرقة نسائية بكرة القدم بالمحافظة منذ 5 سنوات، حينها ترددت كثيرا وكان لدى تخوف من رد فعل الأهالى عن التحاق بناتهن فى هذه الفرقة، وبدأت بتأسيس فرقة من 30 لاعبة تبدأ من عام 14 سنة، وعندما أعلنت عن إمكانية المشاركة بالفرقة، فوجئت بتقدم 50 فتاة للالتحاق بالفرقة، ومن هنا أدركت أن هناك رغبة لدى العديد من الفتيات بممارسة هذه الرياضة.
مؤسس فريق الكرة النسائية بأوان يروى التجربة لـ”اليوم السابع”
وأوضح كابتن عيد قائلا: إقناع أسر الفتيات بالتحاقهن بالفريق لم يكن بالأمر اليسير فكان من الصعب إقناع الأب بسفر ابنته خارج المحافظة للمشاركة فى البطولات المختلفة، لكن إلحاح الفتيات ورغبتهن فى إثبات الذات كانت وراء نجاح الفرقة وحصولها على العديد من البطولات على مستوى دورى الكليات، موضحا كنت أرى الفتيات بالفرقة يتمسكون بممارسة كرة القدم ويضغطون على أسرهن حتى تمكنوا من الالتحاق بكل رسمى فى الفريق".
وعن الفروق الذهنية والجسدية للفتيات مقارنة بالرجال فى ممارسة كرة القدم، أوضح مدرب فريق الكرة النسائية فى أسوان، قائلا: فوجئت أن الفتيات لديهن قدرة على الاستيعاب والذكاء خلال التمرين أكثر من الرجال بنسبة 90%، فالفتاة تتمكن من فعل أكثر من شىء فى نفس الوقت، لذلك لم أقض فترة طويلة خلال التمرين مع الفتيات مقارنة عن الرجال، لإيصال جمل تكتيكية معينة، موضحا أنه برغم أن المقومات الجسدية للرجال اقوى من النساء إلا أن اللاعبة تعتمد على المهارة والحرفة فى تمرير الكرة اكثر من الجهد، وبرغم ذلك أجد كثير من اللاعبات يتمتعن بقدرة عالية من السرعة خلال المباريات.
جانب من تمرين الفريق
وفيما يتعلق بالتحديات التى تواجه لاعبة كرة القدم، أكد قائلا: الزواج هو بداية النهاية لأى لاعب كرة قدم خاصة بالمجتمعات الصعيدية التى يرفض خلالها الزوج ممارسة زوجته مثل هذه الأنشطة، وأتذكر أن إحدى اللاعبات تمسكت بممارسة كرة القدم رغم زواجها وعندما انخفض مستواها داخل الملعب طلبت منها عدم الاستمرار داخل الملاعب لعدم قدرتها على النجاح نظرا لظروفها الاجتماعية الجديدة، مشيرا إلى أنه يجد الكثير من اللاعبات يرفضن الارتباط والخطوبة من أجل الاستمرار فى ممارسة كرة القدم.
وحول تحديات الكرة النسائية بمحافظة أسوان، أكد كابتن عيد قائلا: مستقبل الكرة النسائية بأسوان سيئ للغاية، فلا توجد سوى إمكانيات بسيطة تمكننا من ممارسة الكرة داخل مراكز الشباب التى تفتقر لأدنى الخدمات، فلم أستطع سوى ممارسة التمارين إلا داخل ملعب خماسى، فضلا عن أن اللاعبات يدفعون من أموالهم من أجل شراء الملابس والأحذية، وعندما طالبت مديرية الشباب بالمحافظة بتوفير ملعب كرة قدم لممارسة التمارين عليه، وبالفعل نجحت فى توفير ملعب داخل إحدى مراكز الشباب الكبرى بالمحافظة، فوجئت بأن إيجار الملعب 500 جنيه خلال ساعتين، وأصبحت مديونا بمبلغ 13 ألف جنيه لصالح مركز الشباب، ورفضت مديرية الشباب دعم اللاعبات وتوفير أدنى الإمكانيات لاستمرار الكرة النسائية بالمحافظة.
لاعبات فريق الكرة النسائية بأسوان مع محررة اليوم السابع
كما التقى "اليوم السابع" عددا من اللاعبات بفريق الكرة النسائية بأسوان، حيث أكدت مروة محمد، 15 عاما، قائلة: عشقت كرة القدم وعمرى 10 سنوات وبدأت فى ممارستها داخل المنزل مع أشقائى الصبيان، كنت أرفض اللعب بألعاب الفتيات وعشقت كرة القدم حتى التحقت بالفريق وبدأت ألعب بشكل رسمى، برغم اعتراض والدى على ممارسة هذه الرياضة إلا أننى أقنعته من خلال عرض النماذج الناجحة للكرة النسائية بمنتخب مصر.
وأضافت مروة، طموحى الالتحاق بنادى وادى دجلة، ومثلى الأعلى بكرة القدم اللاعبة أليكس مورجان، التى حصلت على أفضل لاعبة فى عام 2017، وأيضا اللاعب محمد صلاح ومحمد الننى.
الفتيات يمارسن أحد التمرينات بأحد مراكز الشباب
فى حين أكدت منى طه، إحدى اللاعبات بفريق الكرة النسائية بأسوان، أحببت كرة القدم من سن العاشرة وكنت أمارسها مع جيرانى بالشارع، فكنت مثيرة لدهشة أصدقائى البنات وكنت أتركهم لممارسة الكرة مع رفقائى الصبيان، والتحقت بالفريق منذ 4 أشهر وكل طموحى أن أصبح لاعبة عالمية مثل محمد صلاح ومحمد أبو تريكة.
وعن رد فعل أسرة "منى" حول التحاقها بالفريق، أوضحت: على العكس فوجئت بتشجيع من أسرتى بالتحاقى بممارسة هذه الرياضة، ولم يمانع أحد منهم من التحاقى بالفريق".
فريق الكرة النسائية بأسوان برفقة مؤسس الفريق
وأشارت اللاعبة آلاء أحمد، إلى أن أسرتها دعمتها للغاية للالتحاق بفريق كرة القدم النسائية، قائلة: البنت زى الولد مفيش فرق، وطموحى أكون لاعبة عالمية مثل محمد صلاح الذى بدأ طريقه من الصفر وأصبح من أهم اللاعبين عالميا".
ومثلما تمسك الفتيات بحلمهن ليصبحن أشهر لاعبات كرة قدم، فلم يصلن إلى ذلك إلا بدعم من ذويهن الذين يأتون خصيصا لدعمهن وتشجيعهن، وكان محمد إسماعيل، والد إحدى الفتيات بالفريق، يجلس يتابع أداء ابنته خلال التمرين بكل سعادة وفخر، الذى أكد قائلا: بحرص على الذهاب أسبوعيا مع ابنتى لمشاهدتها خلال التمرين، ودعمها حتى داخل المنزل أقوم بتحليل المباريات لها حتى تزداد ثقافتها الكروية، فلم أندهش من عشقها للكرة وهى طالبة فى الصف السادس الابتدائى، لأننى أعشق الكرة وهى ورثت ذلك عنى".
جانب من تمرينات الفريق
وأوضح قائلا: أواجه الانتقادات الموجه لابنتى لممارستها كرة القدم بالسخرية، فكل وكل ما يهمنى أن تصبح لاعبة محترفة وتشارك بالبطولات الدولية، لأن كرة القدم ستجعلها على قدر من الثقة بالنفس وتتمكن من التعامل مع الاخرين".
فى حين أكدت حمدية بسطاوى، والدة إحدى اللاعبات بالفريق، أنها عندما علمت بميول ابنتها لممارسة كرة القدم، لم تتردد وألحقتها بالفريق، موضحة أن الرياضة تكسب الفتاة ثقة بالنفس وتجعلها قادرة على الدفاع عن نفسها، فلايوجد فرق بين ولد وفتاة، موضحة أن طموحها أن تصل ابنتها إلى العديد من البطولات، وتكتسب مزيدا من الخبرة التى تؤهلها لتصبح لاعبة عالمية.