الفقر والاقتراض للإنفاق على أسرهم بسبب عدم وجود دخل ثابت يعينهم على أعباء الحياة واستغلال أصحاب النفوس الضعيفة أميتهم، جعل الآلاف من الأسر الفقيرة يتعرضون للحبس وتهديد أبنائهم بالتشرد، نتيجة اقتراضهم مبلغ من المال للإنفاق على أسرهم أو شراء بعض الأجهزة بالتقسيط لتجهيز فتياتهم للزواج مقابل التوقيع على إيصالات أمانه على بياض، فضلا عن سعى أفراد أسرة للحصول على فرصة عمل للإنفاق.
انتشار ظاهرة الغارمات واضطرارهم للاقتراض من بعض التجار للإنفاق على أسرهم أو قيامهم بشراء بعض الأجهزة الكهربائية لتجهيز فتياتهم وتعثرهم فى السداد، وتعرضهم للحبس، أدى إلى اهتمام المجتمع المدنى، ومنها مؤسسة مصر الخير بالتعاون مع الأجهزة والجهات المعنية بدعم الغارمين وسداد مديوناتهم إضافة إلى انشاء بعض المصانع لتشغيلهم سواء داخل السجون أو خارجها من خلال انشاء مشغل لتعليم السيدات، مثلما فعلت مؤسسة "مصر الخير" بالتعاون مع مصلحة السجون فى انشاء مشغل للغارمات بسجن المنيا.
"اليوم السابع" التقت العديد من الغارمات والغارمين داخل مصنع أطفيح بمحافظة الجيزة لتعليم السيدات صناعة المنسوجات اليدوية مثل " الكوفرته والشال" اضافة إلى تسويق منتجات الغارمين فى المعارض داخل مصر وخارجها، حيث يتم تعليم الغارمات كيفية صناعة المنسوجات وتشغيلهم بالمصنع وحصولهم على دخل شهرى يعينهم على أعباء الحياة بعد سداد مديوناتهم وخروجهم من السجون، للإنفاق على أسرهم ولعدم لجوئهم إلى الاقتراض مرة أخرى حتى لا يعودوا للسجون مره أخرى، كما أن المصنع يتيح توفير فرص عمل لأبناء المنطقة من الفقراء والأسر الاولى بالرعاية من خلال تعليم السيدات صناعة المنسوجات اليدوية وتشغليهم بالمصنع.
" تعرضت للحبس والهروب من تنفيذ الحكم الطريق الوحيد بسبب ديونى " بهذه الكلمات تحدث "ميلاد حنا " 43 سنه من أطفيح عن معاناته بعد فشلة فى سداد مديوناته بعدما اقترض مبلغ 34 ألف جنيه لعمله فى مجال نجارة الأخشاب، حيث يعمل نجارا وبعد ارتفاع أسعار الخامات عقب تحرير سعر الصرف، فشل فى سداد مديونياتة لدى المدين الذى طالبة بضعف المبلغ بالفائدة وقام برفع دعوى قضائية ضده حتى صدر حكم بحبسه سنه قائلا:" بهرب من تنفيذ الاحكام من وقت لاخر ومهدد بالحبس علشان ديونى " لافتا إلى أنه لجأ إلى قطاع الغارمين بمؤسسة مصر الخير لسداد ديونه حفاظا على أسرته من التشرد خاصة وان لديه.
"ميلاد" أصر على عدم تصويره خوفا من معرفة جيرانه خاصة وان لديه فته مخطوبة وعلى وشك الجواز، الا أنه تم تأجيل زفافها لعدم تمكنه من تجيزها خاصة وأنه مازال مديون وأن مؤسسة مصر الخير تبحث حاليا حالته للتأكد من انطباق شروط سداد الدين ضمن برنامج الغارمين، قائلا:" منتظر سداد دينى لعدم حبسى ورجوعى بيتى فى حضن أسرتى بدلا من الهروب من تنفيذ الأحكام "
نفس المعاناة تعرضت لها العديد من الأسر نتيجة عدم استطاعتها الإنفاق على أبنائها واضطرارهم إلى الاقتراض من التجار بالفائدة للإنفاق على أبنائهم أو تجهيز فتياتهم وعند فشلهم فى السداد يتعرضون لرفع دعاوى قضائية ضدهم تنتهى بحبسهم أو بإعلان أصحاب الخير فى سداد مديوناتهم وتوفير فرص عمل لهم تساعدهم على إيجاد دخل شهر يعينهم على أعباء الحياة والإنفاق على أسرهم.
"سعاد فتحى " 41 عاما من منطقة أطفيح بمحافظة الجيزة إحدى الأمهات الغارمات التى تعرضت أسرتها للتشرد نتيجة اضطرار زوجها لإقتراض مبلغ 45 الاف جنيه للتجارة فى بيع الخراف والماعز، وبعد تعرض المشروع لخسائر كبيرة بسبب وفاة الخراف تعرض زوجها للحبس 3 سنوات بعد تعثرة فى سداد مديونياته، وأنها لجأت إلى مصنع أطفيح للعمل لمساعدة أسرتها والإنفاق على أولادها بعد تعثر زوجها فى سداد مديونياته.
معاناة الكثير من السيدات جاء بسبب الفقر وعدم وجود دخل ثاابت للأسرة وهو ما حدث أيضا مع "صفاء توفيق " 33 سنه بعد تعرض جوزها لخسائر كبيرة حيث يعمل مقاول صغير وقام وإقتراض 50 ألف جنيه لشراء أخشاب لمساعدته فى عملة وبعد فشل المشروع وتعثرة فى السداد تعرض للحبس ولجأ إلى قطاع الغارمين لسداد مديونيته.
"زوجى عامل باليومية ومفيش فلوس على اولادنا " بهده الكلمات أكدت " أم على " احدى السيدات التى لجأت إلى مصنع أطفيح للحصول على فرصة عمل من أجل مساعدة زوجها للإنفاق على اسرتها، لافته إلى أنه تعلمت صناعة المنسوجات اليدوية من أجل الحصول على فرصة عمل قائلة:" نفسى اربى اولادى والحمد لله اتشغلت بالمصنع ولى راتب شهرى "
فك كرب 57 ألف غارم وغارمة وتوفير فرص عمل بعد خروجهم من السجون
وقالت "سهير عوض "مدير برنامج الغارمين بمؤسسة "مصر الخير"، أن برنامج الغارمين نجح فى فك كرب نحو 57 ألف غارم وغارمة وخروجهم من السجون منذ بداية عمل المشروع وحتى الآن، كما يتم توفير دخل ثابت لهم من خلال توفير فرص عمل أو تعليمهم حرف وتأهيلهم لسوق العمل، حتى لا يضطروا للاستدانة مرة أخرى ومن ثم يعودا إلى السجن.
وأضافت مدير برنامج الغارمين بمؤسسة مصر الخير، أنه تم انشاء مصنع أطفيح للمنسوجات اليدوية وكذلك انشاء مصانع أبيس للسجاد اليدوى بهدف توفير فرص عمل للغارمين بعد سداد مديونياتهم، كما تم انشاء مشغل بسجن المنيا بالتنسيق مع قطاع مصلحة السجون بوزارة الداخلية بهدف تعليم الغارمات وايجاد فرص عمل لهم داخل السجون تساعدهم فى وجود دخل للإنفاق على اسرهم خارج السن اضافة إلى الاشتراك فى المعارض داخل مصر وخارجها للتسويق لمنتجات الغارمين اضافة إلى التعاون مع العديد من الجهات والجامعات لتطوير الصناعة اليدوية والمحافظة على الهوية المصرية لتلك الصناعات.
مشروع قانون جديد يعيد الأمل بوجود وسائل بديلة لحبس الغارمين
من جانبه أكد المستشار سامح عبد الحكم، رئيس محكمة الاستئناف، أنه تقدم بمشروع قانون بدائل العقوبات المقيدة للحرية بالنسبة للقضايا البسيطة، لمجلس النواب، ورحب به وكيل المجلس، وتم إحالة المشروع إلى اللجنة التشريعية بعد أخذ موافقة 71 عضوا، وأن القانون الذى تقدم به لا يتناول حبس الغارمات فقط، ولكن يتناول أيضاً استبدال عقوبة الحبس بالعمل لصالح الدولة، وذلك بالنسبة لأصحاب الجرائم البسيطة، بما فيها قضايا الغارمين والغارمات، لافتا إلى أنه بدأ مشروع القانون من خلال دراسة أعدها عن الحبس قصير المدة عام 2002 أثناء حصوله على درجة الماجستير حتى قامت مؤسسة مصر الخير بالتنسيق معه لإعداد مشروع قانون وتقديمة إلى البرلمان.
المستشار سامح عبد الحكم: السجين يكلف الدولة 3500 جنيه شهريا وندرس استبدال الحبس لتوفير ملايين الجنيهات للدولة
وأضاف عبد الحكم، أن رئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب أكد له أن مشروع القانون سيتم مناقشتة فى دور الانعقاد المقبل، لافتا إلى أنه وفقا لإحصائية من السجون عام 2015 يكلف السجين الدولة 2000 جنيه شهريا، وبعد تحرير سعر الصرف فإن السجين يكلف الدولة حاليا ما يقرب 3500 جنيه، وأن مشروع القانون الذى تقدم به يهدف إلى تحويل عقوبة الحبس قصيرة المدة لبدائل عدى، يختار من بينها القاضى اضافة إلى أن مشروع القانون سيساهم بشكل كبير فى توفير ملاييين الجنيهات للدولة والتى يتم إنفاقهم على المحبوسين فى القضايا البسيطة سواء الغارمين أو غيرهم قائلا:" يجب أن ننظر للموضوع بشكل اقتصادى مثلما فعلت الدول المتقدمة وأوربا ".
وأوضح حسام عبد الحكم، أنه من بين هذه العقوبات تحويل عقوبة الحبس فى قضايا الدين" الغارمين والغارمات" إلى العمل فى إطار مشروعات صغيرة ومتوسطة من خلال إشراك الجهات المعنية، وأن يتم تشغيل المحكوم عليهم من الغارمين فى قضايا الدين بتلك المشروعات لتحقيق الإنتاج ويتم استغلال قيمة الإنتاج بواقع ثلث قيمة الإنتاج لصالح الدولة للتوسع فى تشغيل مشروعات أخرى من ذات النوع، وثلث للمساهمة فى تسوية الدين، والثلث الأخير لتحقيق دخل للمحكوم عليه خلال تلك الفترة.
وأشار رئيس محكمة الاستئناف، أن مشروع القانون يهدف أيضا إلى مراعاة حقوق الإنسان وإعادة تأهيل المحكوم عليه حتى يكون عضوا نافعا فى المجتمع بالتزامن مع النظرة العالمية للتقيد فى الحد من الحريات، وكذلك تطبيق معايير الأمم المتحدة لبدائل السجن والعدالة التصالحية، وإشراك المجتمع فى تدبير شؤون العدالة الاجتماعية، إضافة إلى معاونه الدولة فى إنتاج سياسة تشريعية حديثة، تساهم فى الحد من العقوبة المقيدة للحرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة