بدأت مصر تنفيذ برنامجاً للإصلاح الاقتصادى منذ عام 2016 لعلاج خلل الموازنة العامة وإعادة تأهيل الاقتصاد، بهدف الوصول إلى اقتصاد قوى ينعكس على حياة المواطن، وبعد عامين من تطبيق البرنامج وتحقيق مؤشرات اقتصادية ملموسة كارتفاع معدل النمو وانخفاض معدل التضخم الا ان المواطن لم يشعر بتحسن ملموس فى أحواله المعيشية إلى الآن، والسؤال المطروح هو متى يشعر المواطن بنتائج هذا الإصلاح ؟
ويهدف برنامج الإصلاح الاقتصادى الى التكيف والإصلاح لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلى والتمهيد لنمو قابل للاستمرار على المدى الطويل، وذلك من خلال إجراء إصلاحات هيكلية لدعم النمو وخلق فرص عمل، وزيادة حجم الصادرات وتنوعها، وتحسين مناخ الأعمال، وضبط أوضاع المالية العامة لضمان بقاء الدين العام فى حدود يمكن تحملها، وتشديد السياسة النقدية لاحتواء التضخم، واعتماد سعر صرف مرن يكفل إلغاء التقييم المفرط للجنية المصرى وإعادة بناء الاحتياطيات وتوفير هوامش أمان للوقاية من الصدمات الخارجية .
وعلى مستوى الإصلاحات الهيكلية نجح برنامج الاصلاح الاقتصادى فى تحقيق بعض الأهداف، فهناك زيادة فى معدلات النمو الاقتصادي، وتمت السيطرة على معدلات التضخم، والوصول باحتياطى النقد الأجنبى إلى مستوى قياسى يقى الدولة من الصدمات الخارجية، وقد انعكس تحقيق تلك الأهداف على المواطن بصورة غير مباشرة حيث انخفضت وتيرة ارتفاع الأسعار واستقرت أسعار الصرف .
وعلى مستوى علاج خلل الموازنة العامة لن يشعر المواطن بنتائج برنامج الإصلاح فى المدى القريب، وقد تنعكس نتائج إصلاح خلل الموازنة على المواطن فى المدى المتوسط (من 3 الى 5 سنوات)، وبالنظر الى مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2018/2019 نجد أن حجم مشروع الموازنة يبلغ 1.725 تريليون جنيه موزعة بين مصروفات بنحو 1.424 تريليون جنيه، ومتطلبات حيازة الأصول المالية بنحو 24.6 مليار جنيه، وسداد أقساط القروض المحلية والأجنبية بنحو 276 مليار جنيه .
وتتضمن المصروفات أجور وتعويضات العاملين بنحو 266 مليار جنيه، وشراء السلع والخدمات بنحو 60.1 مليار جنيه، والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية بنحو 332.3 مليار جنيه، وشراء الأصول غير المالية (الاستثمارات) بنحو 148.5 مليار جنيه، ومصروفات أخرى بنحو 75.7 مليار جنيه، وفوائد الديون المحلية والأجنبية بنحو 541.3 مليار جنيه، وتمثل الفوائد المدفوعة على الديون حوالى 38% من إجمالى المصروفات بالموازنة .
أما الإيرادات العامة بمشروع الموازنة قدرت بنحو 989 مليار جنيه، وتشمل الإيرادات الضريبية بأنواعها المختلفة بنحو 770.3 مليار جنيه، والمنح المحصلة من الداخل والخارج بنحو 1.2 مليار جنيه، والإيرادات الأخرى المحققة من الفوائض والأرباح وإيراد الخدمات بنحو 217.8 مليار جنيه، بالإضافة إلى متحصلات من حيازة الأصول المالية بنحو 21 مليار جنيه .
من خلال بيانات مشروع الموازنة نجد أن أعباء الديون بالموازنة من أقساط وفوائد تبلغ حوالى 817.3 مليار جنيه وهى تمثل حوالى 82.6 من اجمالى الايرادات بالموازنة ، كما توجد فجوة كبيرة بين الموارد والاستخدامات تبلغ نحو 715 مليار جنيه، يتم تمويلها عن طريق الاقتراض وإصدار الأوراق المالية من أذون وسندات وغيرها .
وإصلاح خلل الموازنة يتطلب زيادة الإيرادات العامة الى المستوى الذى يصل بعجز الموازنة الى ادنى مستوي، وذلك من خلال زيادة حصيلة الضرائب والحد من التهرب الضريبى وتوسيع القاعدة الضريبية للممولين لتحقيق العدالة الضريبية ، والعمل على زيادة فوائض الهيئات الاقتصادية، كما يتطلب الإصلاح خفض أعباء الديون إلى أقل مستوى ممكن، وذلك من خلال العمل على خفض مستوى الدين العام ، فقد بلغت فوائد الديون بالموازنة حوالى 38% من إجمالى المصروفات .
وقد انخفض بالفعل عجز الموازنة للعام المالى الحالى عن الأعوام السابقة ، إلا أن استكمال برنامج الإصلاح وانعكاسه على المواطن قد يستغرق حوالى ثلاث سنوات ، فالمواطن يشعر بنتائج الاصلاح الاقتصادى عندما تتحسن الخدمات المقدمة له من خدمات صحية ومواصلات عامة وجودة تعليم واستقرار فى أسعار السلع والخدمات وخلافه ، وتحسين الخدمات العامة يتطلب زيادة فى الانفاق لتطويرها وتحسينها، وزيادة الإنفاق تتطلب زيادة فى الإيرادات العامة مع خفض فى أعباء الديون وتوجيه الفوائض لتحسين وتطوير الخدمات المقدمة للمواطن .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة