اليوم، بدأت تركيا فعليا العصر الذهبى للديكتاتورية، بعد أن أقر البرلمان قانون أمنى جديد تحت مسمى "مكافحة الإرهاب" استبدل به قانون الطوارئ والذى استخدمه على مدار العامين الماضيين للبطش بمعارضى خطوات هيمنة الرئيس على الحكم وتحويله إلى نظام رئاسى يسيطر فيه على صلاحيات واسعة، الأمر الذى دفع مراقبون بالقول أن القانون الجديد سيكون بديل ومماثل بشكل عملى للطوارئ فى ظله سيتمكن النظام من القيام بنفس ممارساته السابقة بحق معارضيه السياسيين.
وبحسب تقارير، وافق البرلمان التركى فى وقت متأخر مساء أمس الثلاثاء، على جميع بنود قانون أمنى جديد يعط السلطات آلية نافذة للبطش تحت مسمى مكافحة الإرهاب، جاء ذلك بعد رفع حالة الطوارئ الأسبوع الماضى والتى استمرت لمدة عامين فى أعقاب تحركات الجيش للإطاحة بالرئيس التركى رجب طيب أردوغان.
القانون الجديد يمنح حكام الأقاليم سلطات أوسع ويمدد فترات الاحتجاز، ويتيح إقالة موظفين بالحكومة إذا كانت لهم صلات أو اتصالات بتنظيمات إرهابية أو بكل ما يعتبر تهديدا للأمن القومي، ووفقا لبنوده يمكن لإردوغان بموجب النظام الرئاسى أن يصدر مراسيم تتعلق بأمور تنفيذية ويعين ويقيل موظفين كبارا منهم من يعمل فى القضاء والنيابة.
ولدى النظام التركى تعريفا خاصا لمفهوم الإرهاب، ففى الوقت الذى يمنح فيه النظام التركى للجماعة الإرهابية الإخوانية وعناصر التنظيمات المسلحة الملاذ الأمن داخل الأراضى التركية، ويمنح عناصر مطلوبة دوليا تمويلا ودعما لوجيستيا ويفتح لها منابر إعلامية لبث التحريض وتنفيذ أجندة تركية مشبوهة، يمارس النظام تضييقا على المعارضة السلمية التى تخرج للتعبير عن آراءها السياسية، فضلا عن تكميم الأفواه وتكسير الأقلام الصحفية والإعلامية التى تفضح سياسات النظام من خلال حالة الطوارئ المفروضة منذ عامين.
#تركيا.. قمع لحرية الصحافة ومنابر تحرض على #الإرهاب#شاهد_سكاي pic.twitter.com/oNLDWXi3Mk
— سكاي نيوز عربية (@skynewsarabia) May 22, 2018
ويرى مراقبون أن استبدال النظام التركى قانون الطوارئ بـ"مكافحة الارهاب" يأتى فى إطار فرض القبضة الحديدة للنظام الجديد الذى وسع فيه الرئيس التركى من صلاحياته، فيما يتوقعون فى ظل فرض قانون الإرهاب ارتفاع أعداد المعتقلين فى السجون التركية من المعارضة، وتشديد القيود على الحريات وحرية الرأى والتعبير ورفع وتيرة تكميم أفواه منتقدى سياسات النظام.
وأثار القانون قبل تمريره عاصفة انتقادات واسعة، وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فى مارس إن السلطات التركية احتجزت نحو 160 ألفا بموجب قانون الطوارئ وأقالت نفس العدد تقريبا من الموظفين بالحكومة.
وذكر وزير الداخلية التركى فى أبريل أن اتهامات وجهت رسميا لحوالى 77 ألفا من المحتجزين وأنهم ظلوا فى الحبس على ذمة المحاكمة.
قانون "القمع التركى" فى عيون العالم
قبيل تمريره سلطت مختلف وسائل الإعلام العالمية الضوء على القانون، منتقدة الإجراءات التى يتخذها الرئيس الترمى وقالت "الإذاعة الوطنية الأمريكية" "بعد عامين من محاولة للإطاحة بحكومة أردوغان، أصبح للرئيس التركى قبضة أكثر شدة على السلطة من ذى قبل. ومع إنهاء حالة الطوارئ فأن القمع الحكومى ضد المعارضين لايزال مستمرا".
وأشارت الإذاعة الأمريكية، إلى أن حالة الطوارئ شهدت فصل أكثر من 130 ألف من وظائفهم فى الجيش والخدمة المدنية والمجال الأكاديميى، حيث واجه عشرات الآلاف الاتهمامات ورغم انتهاء الطوارئ ، لكن هؤلاء الذين يواجهون اتهامات لم تتجاوز انتقاد سياسة الحكومة كما يقولون، يرون أن القمع أبعد ما يكون عن النهاية.
وتحدثت الإذاعة عن قمع الإعلام فى تركيا، وقالت إن أكثر من 170 من وسائل الإعلام قد تم إغلاقها منذ عام 2016، لكن صحيفة "حرييت" العلمانية لا تظل تعمل لكن فى ظل صراع. حيث تمت إدانة أكثر من 12 صحفيا بها باتهامات تتعلق بالإرهاب. ويرى أكين أتالاى، الصحفى بالجريدة، إنه حتى بالنظر إلى تاريخ الانقلابات العسكرية والقمع فى تركيا، فأن ما يحدث الآن غير مسبوق.
وتابع قائلا:"هذا أكثر وضع غير ديمقراطى أراه من قبل، فالمعارضون يتم إلقائهم فى السجن فكل المعارضين يواجهون القمع طوال الوقت وهناك أفكار يسمحون للناس بالتفكير فيها وأفكار أخرى لا يسمحون بها."
من جانبها صحيفة "الجارديان" البريطانية قالت :"على الرغم من إنهاء حالة الطوارئ فى تركيا، تتواصل محاكمات المعارضين والصحفيين، وطلاب نشطاء حقوق الإنسان إن على تركيا أن تفعل المزيد للتراجع عن الحملة الخانقة على حرية التعبير"
ولفتت الصحيفة إلى أن أكثر من 12 ألف شخص فى الشرطة والجيش والإعلام والمجال المدنى والأكاديمى قد تم اعتقالهم أو فصلهم من أعمالهم بسبب علاقات مزعومة مع فتح الله جولن أقوى معارضى الرئيس أردوغان والذى يعيش فى النفى بالولايات المتحدة.
وقال فوتيس فيليبو، نائب مدير أوروبا فى منظمة العفو الدولية، إنه على مدار العامين الماضيين، قد تحولت تركيا بشكل جذرى مع استخدام إجراءات الطوارئ لتعزيز الصلاحيات وإسكات المعارضين وعدم السماح بالحقوق الأساسية.
وأكد المنتقدون أن استخدام الطوارئ لا يقتصر على "الجولن" الذين لهم صلة بتحركات الجيش فى عام 2016، فحوالى ربع القضاة فى تركيا تم عزلهم أو اعتقالهم وهى نسبة كبيرة أدت إلى غضب ومخاوف من أن القضاء لم يعد مستقلا.
كيف استغل أردوغان حالة الطوارئ لتصفية المعارضة؟
فرض أردوغان حالة الطوارئ والتى توسع صلاحيات قوات الأمن بعد أيام من محاولة الإطاحة بحكمة فى 15 يوليو 2016، وطبقت فى 20 يوليو لفترة أولى من ثلاثة أشهر تم تمديدها مرارا ما أثار انتقادات شديدة.
وفى إطار حالة الطوارئ، اعتقلت السلطات التركية أكثر من 160 ألفاً، وأقالت عدداً ضخما من وظائفهم فى مختلف مؤسسات وهيئات الدولة فى مقدمتها الجيش والشرطة والقضاء والتعليم والإعلام، حسب إحصائيات للأمم المتحدة فى مارس الماضى، كما أغلقت ما يزيد على 170 مؤسسة إعلامية ودار نشر وأكثر من ألف مدرسة وجامعة تتبع حركة الداعية المعارض جولن.
وأثارت هذه الحملة التى توسعت لتشمل أطيافاً أخرى من المعارضين والنواب والأكاديميين من غير المرتبطين بحركة جولن انتقادات داخلية وخارجية واسعة، حيث استغلها النظام وشن حملة للقضاء على كل معارض للرئيس رجب طيب أردوغان الذى وسّع من صلاحياته بشكل واسع عبر النظام الرئاسى، وأطلقت عليها السلطات حملة تطهير مؤسسات الدولة من المعارضة.
وإثر هذه الاعتقالات أصدرت المحاكم التركية خلال العامين الماضيين أحكاماً فى 194 دعوى قضائية من أصل 289، قضت فيها بالسجن على ألفين و381 متهماً، بينهم ألف و642 حُكِم عليهم بالسجن مدى الحياة. وأجرت النيابات أكثر من 100 ألف تحقيق ضمن ملف محاولة الاطاحة بالنظام، تم على إثرها إقامة 289 دعوى قضائية، صدرت أحكام فى 194 منها، بينما لا تزال المحاكمات مستمرة فى 95 قضية.
وقضت المحاكم بالسجن المؤبد المشدد بحق 734 متهماً، والسجن المؤبد المشدد أربع مرات بحق 31، والسجن المؤبد المشدد 3 مرات بحق أربعة متهمين، والسجن المؤبد بحق 890 متهماً، والحبس بين عام وشهرين والسجن عشرين عاماً بحق 757 متهماً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة