"عندك انترفيو" الكلمة التى تبث فى قلوب الكثيرين مزيجًا من الفرحة والحماس والقلق والترقب لم تعد تمثل لـ"فاطمة.ش" أيًا من تلك المشاعر، فقط تستدعى شعورًا بالخوف عمره يزيد عن 10 سنوات وقصة مؤسفة فى مقابلة عمل لم تتمكن من نسيانها حتى الآن، وربما لن تنساها أبدًا.
"كنت لسة صغيرة، وكنت آخر واحدة فى المتقدمين للشغل فى شركة للمقاولات. مافيش حد غيرى أنا وصاحب الشركة والأوفيس بوى".. بدأت فاطمة حكايتها لـ"اليوم السابع" مع رجفة قديمة تعود لأوصالها: فى البداية كانت مقابلة عادية، سؤال وجواب كأى "انترفيو" حتى قال لى "عاوز سكرتيرة زى مراتى" فهمت أنه يقصد شخص يحافظ على أسرار العمل كزوجته، فأجبته: "طبعًا يا افندم" وليتأكد أننى فهمت قام من مكانه وحاول أن يحضننى.
"اتنطرت من مكانى وصرخت".. تتابع فاطمة "سألته: إيه دا؟ فقال لى بفهمك طبيعة الشغل".. تصف مشاعرها وقتها "فعليًا ركبى كانت بتخبط فى بعض لكن حاولت اتماسك.. زعقت: لأ شكرًا مش عايزة اشتغل.. فتقريبًا خاف على منظره قدام الأوفيس بوى فقالى اتفضلى فطلعت أجرى وما استنيتش حتى الأسانسير، جريت لحد آخر الشارع وقعدت على الرصيف أعيط. مش مصدقة اللى حصل لى". من يومها اتخذت فاطمة قرارًا صارمًا "لا أذهب لانترفيو أبدًا بعد مواعيد العمل الرسمية أو فى شركة صغيرة وغير معروفة".
ووفقًا لدراسة أجرتها سكرتارية المرأة العاملة بالاتحاد العام لعمال مصر فى 2014 فإن 30% من النساء العاملات يتعرضن للتحرش اللفظى فى اماكن العمل. كما أثبتت الدراسة أن 50% من العاملات المتعرضات للتحرش فى القاهرة يتعرضن للاضطهاد فى العمل بسبب عدم الاستجابة للمتحرش.
التحرش فى العمل
وكانت الدراسة أجريت على نحو 20 ألف سيدة وفتاة فى المرحلة العمرية بين 20 إلى 55 عامًا فى مواقع عمل مختلفة ومؤهلات تعليمية مختلفة، ووجدت الدراسة أن أعلى نسبة للتحرش اللفظى كانت بالقاهرة (70%) و18% فى محافظات الدلتا وتلاشت النسبة نهائية فى محافظات الصعيد.
لم تكن تجربة "فاطمة" حالة فردية، إنما تكررت وتتكرر مع العديد من الفتيات اللائى تبدأ معاناتهن مع التحرش فى أماكن العمل قبل تسلم العمل. وتواجه العديد من الفتيات مشكلة فى تحديد ما إذا كان هذا التجاوز بحقها شكل من أشكال التحرش أم لا، وكيف يمكنها التصرف معه. فيما تظن بعض الفتيات المتقدمات للعمل فى مجالات لها علاقة بالجمهور كالعلاقات العامة أو "الكول سنتر" أن هذه التجاوزات نوع من الاختبار ليتأكد صاحب العمل من أنها ستتحكم فى انفعالاتها إن تعرضت للتحرش من قبل العميل، كما قالت "نهى.ك" فى إجاباتها على سؤال "اليوم السابع" حول تعرضها للتحرش فى مقابلة عمل: "ممكن جدًا يكون اختبار عشان يعرف لو عميل عاكسك هتعملى إيه.. فالحل تغيير الموضوع والكلام فى الشغل والتصرف بذكاء" تضيف: "أنا عملت فى مجال خدمة العملاء وخضعت لمقابلات عمل مزعجة وأحيانًا يلمحوا لتجاوزات كاختبار"، وتستدرك: "لكن صراحة مش معاكسة واضحة ولا لفظ خارج".
فى المقابل تتصرف الفتيات أحيانًا بإيجابية إما برفض محاولة التحرش أو بمحاسبة مرتكبها كما حدث فى يناير الماضى حين تقدمت فتاة عشرينية فى دمياط الجديدة ببلاغ للشرطة ضد صاحب إحدى الشركات العقارية تتهمه فيه بالتحرش بها أثناء مقابلة العمل ومحاولة لمس أجزاء حساسة من جسمها، وحمل المحضر رقم 165 إدارى لسنة 2018 بقسم شرطة دمياط الجديدة.
تحرش فى مكان العمل ـ تعبيرية
وتقف التجربة أحيانًا أمام المسيرة المهنية لبعض الفتيات إما بعدم العمل فى مكان كن يحلمن به، أو صرف النظر عن فكرة العمل نهائيًا كما حدث مع "سمية.ح" التى تروى لـ"اليوم السابع": "أول ما اتخرجت بدأت أدور على شغل، كنت مليانة حماس ومابحبش قعدة البيت وقدمت فى كل فرصة قدامى تقريبًا وكنت ليل نهار أدور على مواقع إعلانات الوظائف على النت، وبعد 3 أسابيع تلقيت أول رد من شركة كتب أصحابها فى الإعلان أنها "انترناشونال" وطبعًا كنت صغيرة ومتحمسة وقليلة الخبرة لم أبحث عن الشركة أو أصلها وذهبت فورًا للمقابلة فى الموعد المحدد.
وتابعت سمية حديثها: كانت المقابلة مشجعة فى البداية، مدح فى التقدير الذى حصلت عليه وفى حماسى وطموحى، وبدأ يتطور الأمر لمدح جمالى فى سياق لم أدرك فى البداية أنه نوع من التحرش. قبل أن أستوعب طلب منى أن ننتقل من الجلوس أمام المكتب إلى الأريكة لأكون "على راحتى" كما قال، وحين انتقلنا استمر حديثه المشجع حتى اقترب فجأة منى فلم أشعر بالراحة وبدأت أبتعد فأنهى المقابلة ووعد بإعادة الاتصال بى. قررت حين غادرت مكتبه ألا أعمل بهذا المكان، وازداد إصرارى على القرار حين بدأ حصاره لى بالمكالمات الهاتفية حتى بعد أن أبلغته فى الاتصال الأول أننى أعتذر عن العمل لظروف خاصة، تطور الأمر لرسائل قصيرة ثم محاولات للاتصال واتساب وحين تجاهلته تمامًا تلقيت وابلاً من الشتائم الخارجة".
تجربة "سمية" كانت سببًا فى تغيير مسارها المهنى بالكامل وتقول "الصدمة أخرتنى سنوات عن اتخاذ خطوة العمل. وحتى حين عملت بعد نحو 4 سنوات فضلت أن أعمل من المنزل بشكل حر".
"خفت أصوت يقول دى كانت بتحاول تسرقنى وماحدش كان هيصدقنى لأنه راجل كبير" هكذا قالت "مروة.هـ" عن صدمتها الأولى حين تعرضت للتحرش فى إحدى مقابلات العمل من رجل سبعينى، وتروى: "دخلت أقدم على شغل لقيت راجل كبير فوق السبعين سنة تقريبًا.. شد لى كرسى وقعدنى جنبه قلت مافيش مشكلة ماهو راجل كبير.. وهو بيتكلم لمسنى من إيدى قلت عادى أكيد مش قصده هو زى أبويا" مضيفة: "اكتشفت بعدها أن اللمسة الأولى كانت اختبار وازداد التجاوزات لدرجة لا يمكن معها أن أكذب نفسى"، تصف مروة شعورها وهى تخشى ألا تفضح الأمر خوفًا من ألا يصدقها أحد "كانت أكبر لحظة قهر فى حياتى".
رسمة تعبيرية عن التحرش فى العمل
وأشارت دراسة أجرتها مؤسسة المرأة الجديدة ونشرتها فى عام 2016 حول التحرش فى أماكن العمل، إلى أن ارتكاب الرجال للتحرش فى العمل لا يرتبط بسن معينة أو حالة اجتماعية. وذكرت الدراسة التى اعتمدت على المنهج الوصفى فى البحث أن وقوع جرائم التحرش الجنسى فى أماكن العمل بالقطاع الخاص تكون معدلاتها أعلى من القطاع الحكومى، وأن طرق التحرش تتنوع بين النظرات والألفاظ ذات الإيحاء الجنسى وفى حالة اعتراض العاملة يقول إنه لا يقصد وهى التى ترغب فى فهمه بشكل خاطئ.
رسمة تعبيرية عن التحرش فى العمل
أما "سمر.أ" فتحلت بالشجاعة وواجهت مديرًا حاول التحرش بها أثناء إجراء المقابلة تروى: "كانت مقابلة للعمل فى مدرسة يجريها معى المدير، ومن أول لحظة قال لى ستخلعى الحجاب فرفضت قال إنها مدرسة دولية فقلت له "حتى لو كانت فى تل أبيب لن أخلعه" ففوجئت به يقول "طب تقلعيه قدامى بس؟".
تجاوزت سمر السؤال وانتهت المقابلة لتفاجأ بسؤال مستتر لكنه أكثر وقاحة عن لون بعض ملابسها فانفعلت عليه وهددته بالرد على تجاوزاته وغادرت.. بعدها بأسبوع تلقت اتصالاً منه يخبرها أنها قبلت فى العمل فردت بالرفض: "قلت له ما أقدرش أشوف حيوان زيك كل يوم".
المفارقة مع سمر أنها عاشت الموقف مرة أخرى بعد سنوات مع الشخص نفسه وتقول: "بعد عدة سنوات تلقيت عرضًا للعمل فى مدرسة أخرى، فذهبت وبعد إنهاء الإجراءات دخلت لأوقع الورق من المدير ففوجئت بأنه نفس الشخص فاستدرت لمغادرة المكان سألنى: "رايحة فين" قلت له: "مش مذاكرة ألوان" وتركته ورحلت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة