كنت من المحظوظين الذين شهدوا، أمس، ندوة حفل توقيع ومناقشة كتاب "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة" للكاتب محمد شعير، والصادر حديثا عن دار العين، وقد شهدت الندوة حضورا لافتا من المثقفين والمفكرين، الذين تناولوا نجيب محفوظ وأيامه، لكن الدكتورة سيزا قاسم قالت كلمة "صادمة" للبعض، فى الندوة قالت "كان نجيب محفوظ إنسانا جبانا" ولأننى فى الحقيقة لم أسمع هذه الكلمة، لذا سوف أعتمد على ما قاله الأصدقاء والمثقفون الذين كانوا موجودين معى فى الندوة، وما ترتب على ذلك.
الكاتب ياسر عبد الحافظ قال على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" (منذ فترة لم أحضر ندوة ثرية ومحرضة على قراءة كتاب مثل ندوة الأمس التى أقيمت بمناسبة صدور كتاب الصديق Mohamed Shoair "أولاد حارتنا - سيرة الرواية المحرمة".
من خلال الكلمات التى قيلت من الحضور: عبلة الروينى، سيزا قاسم، نبيل عبد الفتاح، طارق إمام، محمد بدوى، حسين حمودة، ومن خلال أيضا تصفح الكتاب فى الوقت القليل ما بين انتهاء الندوة وكتابة هذه الكلمات، تعرف أن هناك جهدا ضخما، ورؤية فنية وتحليلية لم نعتدها، إلا فى حالات قليلة، فى التعامل مع الأرشيف، الذى يكاد يكون من المستحيل أصلا الحصول عليه.
كل ما قيل فى الندوة مهم لكن من الضرورى الإشارة إلى جملة خلافية صدمت بها الدكتورة سيزا قاسم الحضور فى بداية الندوة وصفت بها نجيب محفوظ: إنسان جبان. قالتها فثارت همهمات معترضة فأعادت التأكيد عليها بثقة من يعرف: إنسان جبان طبعا ليس له موقف شجاع واحد، وزادت على ما قالت بأن وصفت المثقفين المصريين كلهم بما وصفت به محفوظ.
ليس لهذا فقط من المهم قراءة كتاب شعير عن سيرة الرواية المحرمة، ليس لمعرفة إن كان ما قالته سيزا قاسم صحيحا أم لا إنما أيضا لأن شعير يقدم لنا تصورا متماسكا عما جرى فى تلك الفترة، ونحن فى حاجة لهذا التصور لأننا مازلنا ندفع منذ لحظة "أولاد حارتنا" أثمانا باهظة على المستوى الثقافى".
وجاءت الردود تعليقا على ما كتبه ياسر عبد الحافظ مختلفة، حيث علقت هند جعفر "هو جبان أى نعم بس قال اللى هو عايزة كله سياسيا" وقال أحمد جاد الكريم " ما دام قال كل اللى عايزه يبقى ازاى جبان.. ده ذكاء منه لم يهلك عمره فى معارك حنجورية لا تودى ولا تجيب.. قال رأيه السياسى والدينى وموقفه من الله والوجود والأحزاب والأنظمة اللى عاصرها فى أعماله" وذهبت الدكتورة مروة مختار إلى أن "أما عن جملة الدكتورة سيزا، فهى لم ترض أن يكون موقفه محصورا فى كتاباته، وهى الطريقة التى ارتضاها واختارها لنفسه، ربما كانت تطمح أن يتحلى بالمواجهة أو الصدامية المباشرة مع الأنظمة المختلفة، لأن الكتابة فى أشكالها تخضع للتأويل لا المباشرة، وأنها قالت أغلب المثقفين المصريين" أما الكاتب والمترجم أحمد عبد اللطيف فعلق "الحقيقة أن رأى سيزا قاسم متداول وكتير بنسمعه، وهو رأى (فى رأيى) مبنى على تجاهل كل السياق السياسى والاجتماعى اللى عاش فيه محفوظ، وكأن محفوظ كان لازم ياخد مواقف سارتر مع أنه مش عايش فى فرنسا، أو يتحول لمحارب زى جيفارا مع إنه قرر يبقى روائى مش سياسى ولا محارب، وأظن أن محفوظ أذكى كاتب قدر يتعامل مع السلطة الباطشة والمتعسفة بأنه يكتب ما يريد من غير ما يضيع وقته فى صدامات مش هتأثر فى حاجة غير أنها تعطله عن مشروعه، وجايزة نوبل كانت تتويج للجهد دا".
بينما كتب "باسم عبد الحليم" على صفحته "عند الكلام عن جبن نجيب محفوظ أو شجاعته، لا بدّ أولًا من تحديد المقصود من كلمة "شجاعة" بدقة، هناك شجاعة الثورى المعارض حامل اللافتات الهاتف فى المظاهرة، وهناك شجاعة الفنان الأديب الذى لا يخشى أدبه أو موضوعه أو زمنه وهو يبدع. وقعت الناقدة الكبيرة فى فخ الخلط بين الشجاعتين، فاعتبرت محفوظ جبانًا، واعتبرت إلتزامه وتمسكه بدوره فى مواجهة اغراءات الدور الآخر و-بين علامتى تنصيص- "مكاسبه" عجزًا عن "اتخاذ موقف شجاع واحد". فيما يتعلق بالشجاعة الأولى، لا أظن أن محفوظ كان معنيًا كثيرًا بحمل اللافتات فى قلب مظاهرة، لم يكن يعتبر نفسه كادرًا سياسيًا أو أن هذا الدور هو دور يناسبه.
أما لو تكلمنا وفقًا لتعريف الشجاعة الثانية، فبالتأكيد نجيب محفوظ هو "أشجع" أديب عربى فى العصر الحديث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة