"أوعى تنسى تدعى لنا.. وتجبلنا مياه زمزم وأنت جاى".. جملة عفوية يتم إطلاقها عند علمهم بخبر توجه أى شخص لأداء الحج أو العمرة، خاصة أنهم يعتبرون هذه المياه بركة وفأل حسن يستبشرون به لما لها من بعد دينى وروحانى لدى المسلمين.
ويعود تاريخ تدفق مياه بئر زمزم إلى زمن إسماعيل بن إبراهيم عليهـما السلام، وتقع البئر شرق الكعبة المشرفة على بعد 21 مترا، فى صحن المطاف بالمسجد الحرام، وسبب تسمية زمزم بهذا الاسم؛ أنه لما خرج الماء جعلت هاجر تحوط عليه وتقول: زمى زمى، وفى الحديث: يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم لكانت عينا معينا.
وتشير الوثائق التاريخية إلى أن قدوم إسماعيل إلى مكة كان سنة مولده 1910 قبل الميلاد تقريبا وفيها ظهور زمزم وبيننا وبين ظهور زمزم بالتقويم الهجرى أربعة آلاف سنة تقريبا.. وهذا يطرح تساؤل حول ما أسباب عدم نضوب مياه زمزم رغم مرور آلاف السنوات عليها.
بالنسبة للتفسير العلمى للظاهرة، يقول الدكتور عباس شراقى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بمعهد البحوث الأفريقية، إن :"عدم النضوب فى علم الجيولوجيا يعنى أنها مياه متجددة، والمياه الجوفية نوعين متجددة والتى ينتمى لها بئر زمزم أو غير متجددة".
وأضاف أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بمعهد البحوث الأفريقية :"لدينا فى مصر بالصحراء الغربية خزان الحجر الرملى النوبى المتواجد بالواحات لكن مياه غير متجددة أى أنها سقطت منذ آلاف السنوات ولم تتجدد"، مضيفًا :"الخزانات الجوفية غير المتجددة يعنى أنها لا يأتى لها تغذية سواء عبر مياه الأمطار أو هناك رشح من الأنهار لها، وعلى العكس تمامًا فإن الخزانات التى تأتى لها المياه عبر المصادر المختلفة".
وتابع شراقى حديثه، قائلاً :"كما قلت مياه زمزم من النوع المتجدد، ومصدر المياه يأتى لها من الأمطار التى تسقط فى منطقة مكة المكرمة، ومكة عبارة عن منطقة جبلية، وبها أودية منها وادى إبراهيم الذى يتواجد به بئر زمزم، الذى يصب فى منطقة منخفضة، وظهرت به المياه على هيئة عين، وذلك عندما وصل منسوب المياه الجوفية إلى سطح الأرض عند قدم سيدنا إسماعيل، وباقى التفاصيل الأخرى بحسب الرواية الدينية.
وعن الشق العلمى، يقول أستاذ الجيولوجيا :"فى منطقة زمزم يوجد 14 مترًا عبارة عن ترسبات نهرية الناتجة عن سقوط مياه الأمطار على الجبال، ومن ثم يسقط الفتات على المناطق المنخفضة وتتحول لرواسب، وتسببت حدوث تلك العملية على مدار ملايين السنوات لعمل طبقة حوالى 14 مترًا فى نطاق زمزم، وفى أسفلهم صخور نارية مصمتة لكن بما إنها صلبة فهى متشققة، فالمياه كان تتخللها وتنزل أسفل الصخور ثم تتجمع على هيئة عين مياه"، مشيرًا إلى أن البئر أصبح على عمق 35 مترًا، أى أنها هناك 14 مرتا رواسب ثم 21 مترًا داخل الصخور".
ويضيف شراقى :"الصخور بما إنها قوية وصلب فالتشققات على حسب وسعها تمتلىء بالمياه، ومع سقوط الأمطار وعملية التخزين التى تحدث من هنا يأتى تجديد المياه بالخزان"، مضيفًا :"المياه فى بئر زمزم يتم استخدامه للشرب للحجاج، فمياه الشرب لا يتم استهلاكها مثل المياه المستخدمة فى الزراعة".
ولفت الخبير الجيولوجى إلى نقطة هامة وتتمثل فى أنه فى مصر يوجد بئر به مجموعة من التشققات شبيه ببئر زمزم له نفس الخواص الجيولوجية، وفى هذا البئر تتجمع به المياه، وتم العمل به فى خمسينات القرن الماضى وكان يغزى منجم الفواخير فى وادى بن قصير الواقع بين وادى النيل وقفط، مضيفًا أنه البئر مازال يعمل حتى الآن ويتم تجديده عبر مياه السيول الساقط فى نطاقه، وهو يعمل بمضخات، وكذلك بئر زمزم أصبح يعمل بمضخات، لكنه فى الوقت ذاته لا ينضب وهذا يعنى أن مياه متجددة حتى لو كانت بصورة متباعدة.
وتابع أستاذ الجيولوجيا حديثه :"بئر زمزم يستخدم منذ 4 آلاف عام، ومازال حتى الآن، وهذا يدفعنا للافتراض أنه لن تسقط أمطار على السعودية وسيول لمدة ألف عام قادمة فهذا يعنى أن مياه ستنضب، لأنها ببساطة لن تتجد، لكن بما إن الظروف المناخية مستقرة فهذا يعنى البئر مستمر حتى آلاف السنوات خصوصا أنه لا توجد مؤشرات على تغييرات مناخية حادة"، لافتًا إلى أن النضوب أو عدمه يتوقف على مصادر التجدد، وبصورة أبسط فالحكاية ليست وعاء أو زجاج مهما تشرب منها لن تفرغ مياهها فالموضوع له أبعاد علمية ومنطقية، مشددًا فى الوقت ذاته بأن الجانب الروحانى ودينى له كل احترامه وتقديره.
على الصعيد الدينى، يقول الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية :"هى معجزة دينية، وتعود تفاصيل روايتها عندما ترك سيدنا إبراهيم، سيدنا إسماعيل مع أمه هاجر فى هذا المكان وعند بيتك المحرم،و الذى كان صحراء جرداء ليس بها أى سبل الحياة، ثم جاءت المعجزة الربانية بانفجار المياه من تحت قدمى سيدنا إسماعيل بدون أى تدخل بشرى أو بدون أى توصيلة أو أى شيء آخر".
ويضيف عضو مجمع البحوث الإسلامية :"وبالمنظور البسيط فإن تكوين البئر من الأساس كان أمرًا خارقا للعادة ، فهو معجزة ربانية وكذلك استمراره ومحافظة على رونقه على مدار آلاف السنوات وأيضًا ارتباطه بالبيت الحرام وتلك الأجواء القدسية"، مضيفًا :"مثل هذه الأمور دليل وبراهن على قدرة الله وإن الله كرم تلك البقعة المقدسة بالعديد من المظاهر منها مياه زمزم".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة