بعد الحادث المفجع الذى أودى بحياة الأنبا ابيفانيوس أسقف ورئيس دير أبو مقار بوادى النطرون، عمل رهبان الدير على كتابة ورقة عمل قدموها للبابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، كروشتة لعلاج ما وصفوه بالعوار الذى أصاب الرهبنة القبطية.
تعتبر الرهبنة كنز الكنيسة الاستراتيجى ومصنع قياداتها الأساسى، من بين الرهبان يتم اختيار الباباوات والأساقفة وأصحاب الرتب الكنسية العليا، ومن ثم فإن أى خلل يصيب النظام الرهبانى يؤثر على الكنيسة الأرثوذكسية.
نشرت مجلة مارمرقس الصادرة عن دير أبو مقار تلك الدراسة، التى وصفت واقع الرهبنة الحالى بالمرير، معتبرة إن انفتاح الأديرة على العالم، وعدم التدقيق فى اختيار مَن يتقدَّم للرهبنة، سببان رئيسان فى الأزمة الحالية.
انفتاح الأديرة على العالم تسبب فى عوار بالرهبنة
اعتبرت الدراسة، إن انفتاح الأديرة على العالم تسبب فى نسيان الراهب للهدف الذى من أجله خرج، وأدى إلى توغَّل العلمانيون فى أعماق الأديرة، حاملين معهم همومهم ومشاكلهم، وشاركهم الرهبان وجدانيّاً – وأحياناً كثيرة عملياً – فى حَمْل كل هذه المشاكل وحلِّها، ونسوا أنفسهم وسط تلك الدوامة التى تبدو فى ظاهرها عطفاً ورحمةً، ولكنها فى الحقيقة تحوير لدور الرهبان إزاء العالم، وهو الصلاة من أجل العالم كله بهمومه وأحزانه.
تغلغل شهوة الكهنوت بين الرهبان أثر على الرهبنة
ورأت الدراسة إن تغلغُل شهوة الكهنوت بين الرهبان، كان أيضاً من نتائج انتشار العلمانيين بين أروقة الأديرة حيث اشتهى الرهبان الكهنوت، حتى يستطيعوا إقامة القدَّاسات، وأَخْذ الاعترافات، والتعميد، وعَقْد الخطوبات والأكاليل، والصلاة فى الجنازات… إلخ؛ في حين أنَّ الكهنوت هو خاص بالخدمة ولا يمتُّ للرهبنة بصِلة، فالكاهن هو الشخص الذى تَعْهَد إليه الكنيسة برعاية شعب وله رعية يرعاها، أما الراهب فلا خدمة له ولا شعب ليرعاه.
بناء المضايف الخارجية خطر على الرهبنة
أما النتيجة الثالثة لانفتاح الأديرة على العالم فهى بانفراط عقد حياة الشركة المجمعية في الأديرة، حيث اتجه الرهبان لبناء القلالى(مساكن الرهبان) والمضايف الخارجية بعيداً عن أنظار مجمع الدير، ولا نُنكر أن فيهم بعض مُحبِّى الوحدة، ولكن آخرين يستقبلون فيها مَن يُريدون بلا ضابط، وفي تلك القلالى المنعزلة ينفرد الشيطان بالراهب ليفعل به ما يريد دون رقيب أيضاً، وربما يبدأ الراهب ببناء كنيسة خاصة به هناك، يستقبل فيها الرحلات ليُقيم لهم فيها القدَّاسات، راسماً على وجهه علامات المتوحِّد، منتحلاً لمظهر الناسك الزاهد المنقطع عن العالم، كى يستدرَّ عطف الناس، ويستدرَّ أيضاً أموالهم؛ خادعاً إيَّاهم، بل وربما خادعاً نفسه أيضاً، أو مخدوعاً من الشيطان
تسرب محبة المال لقلب الراهب
ووفقا للدراسة التى نشرتها مجلة مرقس، فقد لاحظ القائمون عليها ما وصفوه بتسرب محبة المال لقلب الراهب بسبب احتياجه للمزيد من الأموال كى يصرفها فى خدمة الذين تعرَّف عليهم ويقصدونه، وأصبح بعض الرهبان يأخذون ريع المشروع القائمين عليه فى الدير، ليعطوا الدير جزءاً منه، والباقى لا يَعْلَم عنه أحدٌ شيئا، وربما يصل بهم الأمر إلى إقامة مشاريعهم الخاصة دون استئذانٍ من أحد.
وكشفت الدراسة عما وصفته بالنتيجة المؤسفة وقالت "أصبح لدينا رهبان أغنياء يملكون سيارات على أحدث موديل، وموبايل على أحدث طراز، ويرتدون أفخر الجلاليب والملابس، ويُعظِّمون معيشتهم، ويفقدون فقرهم الذى اختاروه ونذروه يوماً، كأول نذور الرهبنة، كل هذا من أموال التبرعات.
وأشارت الزيارة إلى إن أَثر الانفتاح على العالم أيضاً، امتدت فتَعَوَّد الرهبان على العلمانيين، وزالت الكُلْفَة بينهم؛ فأَلِفوا النزول للمدن، يزورون معارفهم فى منازلهم ومحلاَّتهم، ويذهبون لتأدية واجبات العزاء لهم أو المشاركة فى أفراحهم، ويبيتون خارج الدير أياماً دون عِلْم المسئولين أو بحجة العلاج، مع معرفة الكل بأنَّ الحال ليس كذلك.
عدم التدقيق فى اختيار الرهبان تسبب فى الأزمة
أما السبب الثانى الذى أدى لأزمة الرهبنة وفقا للدراسة، فهو عدم التدقيق فى اختيار مَن يتقدَّم للرهبنة والذين انقسموا لفئات ثلاثة الأولى فئة غير المدعوِّين وهؤلاء هم الذين أخطأوا الطريق عن جهلٍ وعدم دراية بدعوتهم الحقيقية، فظنُّوا أنَّ دعوتهم في الدير، وما هذه بدعوتهم أبداً، أما الفئة الثانية فهم صغيرو النفوس وهؤلاء هم الذين فشلوا في أيٍّ من مَنَاحي حياتهم: سواء كانت الاجتماعية أو النفسية أو الدراسية أو المادية أو العاطفية؛ ومِنْ ثمَّ تصغر نفوسهم، فيلجئون إلى الأديرة هرباً من واقعهم المرير، عسى أن يجدوا في الدير ما يُعوِّضهم عن حياتهم البائسة.
هناك فئة من المنتفعين بصفوف الرهبان
بينما اعتبرت الدراسة إن الفئة الثالثة هى فئة المنتفعين وهؤلاء هم الذين يدخلون الرهبنة، لا حُبّاً في المسيح، ولا طلباً للتفرُّغ للصلاة والعبادة؛ بل طمعاً فى أمجادٍ وكراماتٍ ومناصبَ عالمية، وهذه الفئة من أصعب الفئات فى اكتشافها وتشخيصها، إذ أنَّ أصحابها يُتقنون فن التمثيل والرياء.
روشتة إصلاح الرهبنة القبطية
ووضعت الدراسة ركيزتين للإصلاح أولهما تقنين زيارات العلمانيين إلى الأديرة، عن طريق إغلاق الأديرة في جميع فترات الصوم على مدار السنة، وتحديد أيام معينة فى الأسبوع يُسمَح فيها بدخول الزوَّار، فى حدود ساعات مُعيَّنة وأعداد محددة، وبعلمٍ سابق، ويكون مسئولاً عنهم طوال فترة تواجدهم بالدير أحدُ الرهبان المشهود له بالأمانة للطريق الرهبانى ليشرح لهم معالم الدير، ويُعطيهم كلمة روحية، ثم يُشرف على ضيافتهم، حتى لا ينتشروا فى أروقة الدير مُفسدين على الرهبان هدوءهم، وكذلك التدقيق فى المتقدمين للرهبنة عن طريق أن تقدم لهم قائمة بما ستؤول عليه حياتهم فيما بعد على أن يَرضَى المتقدم للرهبنة أن يعيش راهباً طوال أيام حياته، دون أن يُطالِب بأيَّة درجة كهنوتية، إلاَّ إذا دُعِيَ لهذه الدرجة من رئيس الدير أو الرئاسة الكنسية، وأن لا تكون له أية ملكية شخصية، لأن الدير سيتكفَّل برعايته من جميع النواحي، دون أن يحتاج أن يتعامل مع المال بأية وسيلة وألا يُطالِب بدخول قريب أو صديق له الدير في غير أوقات الزيارة المسموح بها، ولا يُطالِب أن يُقابلهم كأنَّ هذا حقٌّ له، وألا ينزل من الدير لأيِّ سببٍ كان، إلاَّ إذا كُلِّف بذلك من رئيس الدير للقيام بأشغال الدير.
واقترحت الدراسة كقاعدة عامة لصحة اكتشاف واختيار كل المتقدِّمين للرهبنة، يحسن جداً ألاَّ تَقِلَّ فترة الاختبار عن ثلاث سنوات، مع توافُر إمكانية إخلاء سبيل الأخ طالب الرهبنة فى أى وقت خلال هذه الفترة، رحمةً به وبالرهبنة.