كيف نجح رئيس تحرير صحيفة الوفد العريقة فى أن يجمع بين المهام الثقيلة للعمل الصحفى، ورئاسة تحرير صحيفة يومية متألقة، وبين مهمة البحث العلمى فى مجال النقد الأدبى؟!
فعلها الصديق وجدى زين الدين ببراعة وإتقان، نجح هذا الصحفى المغامر فى أن ينتصر لهوايته فى التعلم والبحث العلمى، وتحضير الرسائل العلمية الرفيعة، انتصر وجدى لشغفه بالأدب والنقد على كل ضغوط الإدارة والعمل الصحفى، وأعد دراسة راقية وشاملة حول اتجاهات النقد الأدبى فى الصحافة المصرية خلال الفترة من 1952 حتى 1967 ليثرى المكتبة المصرية والعربية بهذا العمل المتفرد، الذى خرج إلى النور فى كتاب فاخر بادرت إلى طباعته على الفور إحدى دور النشر المصرية.
الكتاب مهم وموثق، إذ إنه نتاج عمل بحثى لرسالة ماجستير فى الأدب العربى من جامعة القاهرة، أعدها وجدى زين الدين، ونال بها هذه الدرجة العلمية فى عام 2018، ولكن الأهم من ذلك هو النموذج الذى يقدمه وجدى زين الدين لشباب الصحفيين، الذين قد يشكو كثير منهم ضيق الوقت، وضغوط العمل، وطاحونة العمل الصحفى، فى حين أن الرجل الذى يتحمل هذه المسؤولية الكبيرة لأعرق الصحف المصرية الوطنية المعارضة استطاع أن ينحاز إلى نفسه، وإلى موهبته، وإلى هواياته فى البحث العلمى، وإلى ولعه بالأدب المصرى، وحقق حلمه فى أن يعد رسالة الماجستير فى التخصص الذى يهفو إليه قلبه النابض بالحيوية والإبداع.
أحييك يا وجدى على هذه الرسالة التى أرجو أن يلتقطها شباب الصحافة، فلا شىء أبدًا يحول بينك وبين أن تحقق حلمك، أى حلم، ولا يوجد ما هو أصعب من أن تكون هوايتك هى العلم والتعلم والبحث.. رسالة وجدى ليست فى الأدب فقط، بل فى قيمة تنظيم الوقت، وقيمة الحفاظ على هواياتك ورغبتك فى التعلم رغم مشقة العمل، وقسوة تفاصيل الحياة.
أما الكتاب فى ذاته فيستحق القراءة من كل عشاق الأدب، والمهتمين بالنقد الأدبى، ومن كل الصحفيين المصريين المشغولين بتاريخ الصحافة والمعارك الأدبية التى دارت فى الصحف المصرية فى فترة شديدة الثراء من تاريخ بلادنا، فقد قسّم وجدى زين الدين دراسته إلى ثلاثة فصول، الأول بعنوان «النقد فى الصحافة المصرية»، والثانى يدور حول «المعارك الأدبية والنقدية» خلال سنوات الدراسة، والثالث حول «الصحافة الأدبية المصرية بين الإبداع والسلطة السياسية»، وربما كانت النتيجة اللافتة للانتباه فى هذه الدراسة الشيقة ما انتهى إليه وجدى زين الدين حول ارتباط الأدب فى تلك الفترة بالسياسة ارتباطًا دائمًا، ويشرح وجدى كيف ارتبط الأدب بالحزبية أحيانًا، فقد كانت الأحزاب السياسية فى مصر ثمرة من ثمار الصحافة، ونشأت فى قلب الصحافة المصرية، فانقسم الأدباء بين مؤيد ومعارض للثورة، فأصبح منهم من يعظم الثورة فى أعماله الأدبية، ومنهم من حطّ من شأن الثورة، ورأى أنها حركة طموحة لم تضف جديدًا للأمة المصرية، ورغم هذا الانقسام ينتهى وجدى زين الدين «الوفدى» إلى أن ثورة يوليو كانت ثورة «إبداع ومبدعين».
هذا كتاب منصف، وهذه دراسة مليئة بالقصص الصحفية والأدبية الشيقة.
شكرًا وجدى، تعلمنا منك، وتأثرنا برسالتك فى العمل والعلم معًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة