"منديل يا بيه"،"هات جنيه أجيب أكل"، "فلوسى اتسرقت ومحتاج ثمن المواصلات"، عبارات شهيرة يستخدمها المتسولون للحصول على ما يبغون من أموال من المواطنين، حيث أن غالبيتهم يعتبرون التسول مهنة يجنون منها مئات الجنيهات يوميا دون كد أو تعب.
المتسولون يعملون فى مجموعات منظمة، فالمدقق فى شئونهم لا يمكن أن يصادف خلال مروره بأماكن تواجدهم متسولان يتشاجران، وهذا يدل على أن اغلبهم يعملون لصالح أشخاص وعصابات تدير تلك المجموعات، تنظم عملهم، وتحدد أماكن وقوفهم للتسول، والطريقة التى سيتبعونها لكسب شفقة المارة والحصول على ما يبغون من مال، ويدل ذلك أيضا على أن أغلبهم يتجمع فى مكان واحد ليلا للمبيت فيه، وبخاصة صغار المتسولين.
اللواء فادى الحبشى، الخبير الأمنى، مدير المباحث الجنائية بمصر مساعد وزير الداخلية سابقا، أكد فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أن الداخلية تقوم بتحرير آلاف من محاضر التسول سنويا، على الرغم من ذلك فعملية التسول مستمرة، لأن القبض على المتسول ليس حلا جذريا للظاهرة.
وأضاف "الحبشى"، أن التسول أصبح مهنة للبعض، وتديرها عصابات كبيرة مؤكدا على أهمية أن تتوحد جميع الجهود لمواجهتها، ووضع حد لها لأنها تسئ للشارع المصرى.
أما عن ظهور الأطفال بكثافة ضمن المتسولين فى الشوارع واستغلالهم فى التسول من جانب أسرهم وآخرين، قال محمود البدوى رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث، إن القضايا المضبوطة لا تمثل شيئا بالنسبة للاستغلال الذى يتم للأطفال فى الفترة الحالية، مؤكدا أنه يجب التكامل بين جميع الجهات المعنية التى على تماس مع القضية مثل الجهات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدنى، مشددا على أن الإرادة السياسية الحالية وضعت هؤلاء الأطفال ضمن أوليات العمل مع الفئات المجتمعية.
وشدد "البدوى" على دور الأسرة فى تربية أبناءها ،كى لا يهربوا إلى الشارع، ويتخذوه مأوى لهم، ويقعون ضحية للجماعات التى تدير المتسولين، موضحا أن الجمعية عملت على ذلك منذ عام 2013 حيث أكدت وجود بناء تشريعى قوى لحماية الطفل فى مصر لكن هذا البناء يفتقد لآليات التنفيذ على أرض الواقع.
وأكد على أهمية أن يتم تعريف الأسرة بمفهوم التربية الإيجابية، وتعريفها مصطلح "طفل" وقيمته وكيفية التعامل معه، وما هى مطالبه وأحاسيسه، حيث يجب مراعاة أن ثلث سكان مصر من الأطفال، وإذا لم تراع القوانين حقوقهم، سنجد من ينضم إلى داعش والجماعات الإرهابية أو من يتعرض للاستغلال الجسدى، والجنسى، وغير ذلك.
وأوضح أن فى حالة استغلال الأطفال من جانب أسرهم فتطبق عليهم عقوبات مغلظة اما من جانب أشخاص آخرين فتطبق عقوبات قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010 ، مؤكدا أن العقوبة وحدها لا تكفى لمنع ظاهرة استغلال الأطفال ويجب أن تتزامن مع التوعية.
ومن جانبه قال هانى هلال، رئيس ائتلاف حقوق الطفل، إن استغلال الأطفال فى التسول أحد أنواع الاتجار فى البشر، وقانون الطفل يحوى عقوبات رادعة لكنها لا تطبق.
وأضاف، أن ما يحدث من تسريح السيدات لأبنائهن وبناتهن من أجل التسول أصبح مظهر "قمئ"، لأن جميع الجهات أصبحت تتفرج، والأمر ألقى على عائق وزارة الداخلية وحدها، والتى تقوم بإلقاء القبض عليهم، وتحرر محاضر ضدهم ثم يخرجون فى نفس اليوم يتسولون مرة أخرى بالشارع.
وشدد على أن ضبط قضايا التسول لسيت حلا لعلاج الظاهرة، وأنها ليست مسئولية الأمن وحده، بل مسئولية الحكومة ووزارة التضامن الاجتماعى، بحيث تقوم بإنشاء إصلاحيات وأماكن لتشغيلهم وتدريبهم بدلا من التسول، وتراجع النظر فى الإصلاحيات الموجودة حاليا، ومراجعة مهارات من يتعلمون بها، وإمكانياتها، وأن يكون هناك رقابة شديدة عليها، لمنع التسريب، حيث أن هناك بعض الموظفين بها يساعدون هؤلاء الأطفال على الهرب، حيث أنهم يتعلمون السرقة بها وغير ذلك، مشددا على أن الاصلاحيات من الداخل منهارة، والأطفال يخرجون منها مجرمون، كما أن هناك قضايا يكون فيها المشرفون على الأطفال أنفسهم منحرفين، فالمؤسسات العقابية تحتاج إصلاحا كى تنتج عنصرا إيجابيا فعالا يعمل لصالح المجتمع بدلا من أن يتخصص فى الإجرام داخل الإصلاحية.
الجانب النفسى يعد شيئا هاما فى حياة المتسول، وبخاصة الطفل حيث يقول الدكتور جمال فرويز استشارى الطب النفسى، إن الطفل الذى يتم خطفه فى سن صغيرة من جانب العصابات ويستخدم فى التسول، يكون لديه أيضا اضطرابات فى التواصل، حيث أن الشخصية تتشكل من ثلاث أشياء رئيسية هى الوراثة والتربية والخبرات الحياتية.