إلى الواجهة عادت مرة أخرى بعض الأسئلة الشائكة عن علاقة الفكر السلفى فى مصر بالثقافة والأدب، على إثر إعلان الروائى السلفى الشاب ماجد طه شيحة عن اعتزال كتابة الرواية بعد أن أنتج خلال أعوام قليلة 3 روايات ومجموعة قصصية واحدة، مرجعا الأمر إلى أسبابه كما قال عبر تدوينة نشرها عبر صفحته الشخصية على موقع "الفيسبوك" للتواصل الاجتماعى مطلع الشهر الجارى.
لم يذكر صاحب رواية "سلفى يكتب الروايات سرا" أسبابا محددة لاعتزاله، وعلاقة قراره بفتاوى بعض مشايخ السلفية التى تحرم تأليف القصص المتخيلة، لكنه كشف عن تفاصيل محاولة أجراها للحصول على فتوى من أحد رموز السلفية وهو أبو إسحق الحوينى تجيز عمله فى نشر الروايات قبل أن ينشر روايته الأولى بناء على طلب من زوجته التى قالت له: لا نريد أن نرتكب حرام بنشرها، اعرضها على شيخ ولنر ماذا سيقول.
ويقول شيحة فى تدوينة له: "لم أكن على استعداد للدخول فى حوار حول الأدب مع مشايخ السلفية، واعلم أن زوجتى تعلم ذلك، ولكنى كنت آمل أن تختلف نوعية الحوارات القصيرة التى أخوضها لتصبح أكثر رقيا كلما صعدت فى الدرجة، ولم يكن يشغلنى أن كانت كتابة الروايات حرام أم لا، فالاستدلالات على ذلك كلها قاصرة عن إدراك الفارق بين الراوى والروائى، والرواية باعتبارها فعلا واعتبارها اسما وارتباطها بكونها فنا بعيدا عن فن تنقيح الأسانيد وجرح وتعديل رواة الأحاديث، كنت متمردا فى داخلى ولا أرى إطلاقا أن الرواية لم تعد تصلح لتحمل الموعظة أو الجمال أو الأيديولوجيات أو السير الذاتية، وهذا التمرد لا يجعلنى صالحا لمناقشة البديهيات، ولكن كان على أن أقوم بالرحلة وأقابل الشيخ مؤملا أن يدور بيننا حوار لطيف أذكر فيه أن الشيخ الألبانى كان يقرأ أرسين لوبين، وأن إشكالية المجاز فى القرآن تضع الذين يحرمون كتابة الرواية فى مأزق، فلو قلنا إن الرواية كذب فالمجاز كذب ولو قلنا ذلك فسننكر المجاز فى القرآن كما أنكره الشيخ الشنقيطى، ولضاع شطر الجمال فى القرآن والأحاديث.
ويضيف: "لم يكن أحد مناسب فى ظنى لحوار كهذا إلا الشيخ الحوينى لاعتبارات كثيرة أهمها: تتلمذه على يد الشيخ الألبانى”
ويكشف الشاب تفاصيل محاولة لقائه بأبى إسحق الحوينى، حيث يشير إلى أن أحد أقارب الحوينى كان زميله فى العمل ودبر له اللقاء فقام بطباعة إحدى رواياته وذهب إلى منزل عائلة الشيخ.
ويضيف: "فى المندرة خرج لاستقبالى الدكتور رزق شريف الأخ الأكبر للشيخ وهو قارئ وكاتب لم يحترف الكتابة بقدر ما يحترف الطب والصحافة، اعتذر لى زميلى عن سفر الشيخ المفاجئ ودار حوار ممتع بينى وبين الدكتور رزق، بعد أن تناقشنا طويلا تصفح بضع صفحات من الرواية ثم سألنى لماذا لا تنتقل للسكن فى القاهرة وتحترف الكتابة أجبت لظروف عملى ولقمة العيش، قال لو احترفت الكتابة لن تحتاج إلى لقمة العيش، ستأكل بقلاوة، قال هذا وضحك، فأجبته بأننى لست مهيئا للكتابة الصحفية ولا لكتابة السيناريوهات، أنا أريد أن أخدم فن الرواية وفقط، بدون تشتت فى الأودية الأخرى، كنت قد طبعت نسخة أخرى احتياطية أخذها منى زميل العمل تحت بصر الدكتور رزق فسألنا: لمن هذه النسخة الأخرى، أجاب زميلي: للشيخ، سأله الدكتور: هل سيقرأها؟، هل سيعطيك رأيه (الأدبى)، نطق كلمة الأدبى فى نوع من سخرية مريرة وكأنه غضب، قلت محاولا إنقاذ الموقف: أريد للشيخ أن يقرأ روايتى كنموذج لأتناقش معه حول مدى صحة تحريم الكتابة الروائية تحديدا، نظرة واحدة إلى وجه الدكتور رزق أظهرت لى أنى زدت الطين بلة، وفوجئت به يجذب النسخة الثانية بعنف من يد زميلى ويصيح: خذ رأى شيخك فى كتاب فى الفقه، فى الحديث، لكن الأدب له ناسه"
لم يحصل الروائى السلفى على فتوى تجيز عمله بالرواية، لكنه اعتبر أن كلام شقيق الحوينى الأكبر هو بمثابة بديهية "تستطيع أن تهزم البديهيات القديمة المعتادة من أن الأدب ضياع للوقت، وأنه قد يصل لدرجة التحريم" بحسب تعبيره.
قصة الروائى الشاب مع الحوينى تعيد إلى الواجهة مرة أخرى العلاقة الملتبسة بين الأدب والسلفيين فى مصر والتى لم تحسم حتى الآن، كان واحدا من أهم فصولها خلال السنوات الأخيرة الهجوم الذى شنه عبد المنعم الشحات المتحدث باسم الدعوة السلفية على نجيب محفوظ فى فترات مختلفة بعد ثورة يناير، حيث وصفه بأنه يشجع على الفجور والرذيلة، ويقدم صورة سيئة عن مصر.
سبق هجوم الشحات مجموعة من الفتاوى السلفية تباينت بين التحريم المطلق لفن الرواية بوصفها: "قصص كاذبة"، وان" فى القصص القرآنى والنبوى وغيرهما مما يحكى الواقع ويمثل الحقيقة ما فيه الكفاية فى العبرة والموعظة الحسنة "، وفتاوى آخرى ذهبت إلى جواز تأليف القصص المتخيلة بشرط ألا تتضمن ما يخالف الشريعة الإسلامية.