معك علبة مجوهرات مربعة الشكل لونها أحمر بورجوندى، العلبة مغلقة بطريقة محكمة ولها بطانة حمراء حريرية، الآن.. افتح الصندوق ولكن بحذر ستشعر بالتوتر قليلاً، لأن ما بداخل الصندوق ليس قلادة أو بروش، بل مجموعة رهيبة من الأسنان القديمة لـ هتلر.
"ها هى أسنان هتلر" هذا ما قالته إيلينا رزيفسكايا فى كتابها "مذكرات تفسر زمن الحرب"، فهى مترجمة روسية تعمل فى الجيش السوفيتى، تم توجيهها من أجل التحقق عما بداخل الصندوق فى 9 مايو 1945، ومن بعد ذلك انطلق الجيش السوفيتى لكى يبحثوا عبر أنقاض برلين على طبيب أسنان هتلر، وذلك على الأمل التحقق وإثبات أن هذه الأسنان ترجع لهتلر.
إيلينا رزيفسكايا تروى فى مذكراتها، واللحظة التى تستسلم فيها ألمانيا وبين أيديها صندوق يحتوى على بقايا أدولف هتلر التى لا نزاع عليها، فظلت تفكر فى هذه اللحظات وتستعيدها عندما قالت حينها "يا الله .. هل هذا يحدث لى" ووأجابت هى بنفسها "نعم".
وتستعرض إيلينا رزيفسكايا، خلال كتابها أن هناك الكثير من الزعماء أرادوا ألا يصرح بحقيقة موت هتلر، وكان أبرزهم ستالين القائد الثانى للاتحاد السوفيتى آنذاك، لمواصلة التوتر بين الحلفاء، قائلة: "لو كان هتلر على قيد الحياة، لم تكن النازية قد هُزمت بعد، والعالم ما زال فى خطر، وتؤكد فى كتابها أن الجثث المحترقة فى الحرب قام الطب الشرعى من قبل الروس بفحصها حيث أنهم وجدوا الأسنان الشئ الوحيد الذى نجا من الحروق ولم توجد جثة واحدة منتزعة الأسنان.
كانت "إيلينا"، التى تحمل الأسنان وانطلقت مع الجنود وسط أنقاض المدينة المدمرة بحثًا عن طبيب أسنان هتلر، حيث قادهم الأطفال حينها لأماكن الانقاض ليبحثوا عن الحقيقة.
ووسط هذه الفوضى، حدثت المعجزة، وذلك بعدما عثروا على "كيته هيوسيرمان" مساعدة طبيب الأسنان البالغة من العمر 35 عامًا، والتى كان تعرف بالضبط أين ستكون المكان المخصص لعمل الشائعات على الأسنان، وهو نفس المكان الذى كان مخصصًا لطبيب الأسنان ويوجد فى مخبأ أسفل المستشفى.
وبالفعل ذهبت أيلينا ومعها الجنود عبر متاهة الممرات تحت الأرض، حتى وصلوا أخيرا إلى سجلات هتلر التى تخص أسنانه، وقارنت "كيته" مساعدة الطبيب هذه النتائج بنتائج تقرير فحوصات أسنان هتلر التى أجريت على المحتويات الموجودة بالصندوق الأحمر، والتى أكدت أنها كانت بالفعل أسنان هتلر.
وسردت الكاتبه عبر كتابها أن " كيته" ستدفع ثمنًا باهظًا لهذا الفعل المفيد، وستحتجز فى الحبس الانفرادى فى سجن روسى لمدة ست سنوات، قبل أن يتم إرسالها فى شاحنة نقل مع الماشية إلى سيبيريا لمدة أربع سنوات أخرى، فتم توجيه تهمة ملفقة إلى "كيته" وذلك لكونها طبيبة أسنان للنازيين فقد "أطالت الحرب وساعدت الدولة الألمانية البرجوازية".
وتسرد أيلينا، أن شعورها بالذنب ظل يطاردها، بسبب ما حدث مع كيته، ولكنها تؤكد أنها إذا لم تكن قد عثرت على مساعدة الطبيب لكانت خطة "ستالين" نجحت، وكان سيظل مكان هتلر أسطورة وغموضًا حتى اليوم، حاول ستالين أن تكون معلومة الأسنان سرية للغاية، وسرعان ما قامت وكالة تاس للأنباء بالإبلاغ عن شائعات بأن هتلر شوهد يهبط فى الأرجنتين وهو يرتدى زى امرأة، أو شوهد بأنه يتواجد إسبانيا مع فرانكو.
وكتبت إيلينا أن "ستالين" لم يكن لديه أى شعور بالمسئولية تجاه السجل التاريخى، أو لشعب الاتحاد السوفيتى، أو إلى العالم، فهو ينظر إلى الحد الذى يتناسب مع أهدافه "البراجماتية".
تلك الحادثة المروعة هى ذروة مذكرات إيلينا رزيفسكايا التى لا تُنسى، المليئة بالأوصاف الحميمة والمؤثرة جدًا للناس والمشاهد التى واجهتها عندما سافرت مع الجيش الروسى من موسكو فى أوائل عام 1942 إلى برلين فى عام 1945، كانت وظيفتها ترجمة استجوابات أسرى الحرب الألمان وقراءة اليوميات الموجودة فى جيوبهم، فهى كانت تسافر معها عبر المخلفات الثلجية فى روسيا، وننزل معها فى قرى مذعورة بالاحتلال الألمانى القصير.
عاشت إيلينا فى الاتحاد السوفيتى لعقود، وتوفيت فى عام 2017، وكانت تعرف أنها محظوظة وذلك لأنها صاحبة الحقيقة غير المرغوب فيها لتفادى العقوبة التى تلقتها لـ كيته، شعرت بارتياح كبير عندما سمعت أن كيته خرجت فى نهاية المطاف من الاتحاد السوفيتى البالغ من العمر 45 عامًا وعاشت 40 عامًا أخرى - لكن خطيبها كان يعتقد منذ فترة طويلة أنها يجب أن تكون ميتة وتزوجت شخصًا آخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة