دائما ما يؤكد الكيان الصهيونى أن دولته المزعومة أساسها العنصرية، والتى تقوم على إقصاء ما هو غير يهودى، ويكرس لازدراء العرب، ويذهب بالديمقراطية التى تدعيها الدولة اليهودية إلى الهاوية، وكان آخر تلك الممارسات الفعلية الدالة على عنصرية الكيان هو قانون القومية اليهودية الإسرائيلى.
والقانون تقدم به عضو الكنيست والوزير السابق آفى ديختر، الرئيس السابق للمخابرات العامة وأحد زعماء حزب الليكود، ويضم أحد عشر بندًا تصب جميعها فى صالح اليهود وتؤكد على الحق التاريخى لشعب إسرائيل فى أرض إسرائيل، كما تؤكد على أن إسرائيل هى دولة الشعب اليهودى، عاصمتها القدس الموحدة ولغتها العبرية، مع إبراز الرموز الدالّة الأخرى للشعب اليهودية، وهو ما يعد طمسا للهوية الفلسطينية فى الأراضى المحتلة، وإقصاء للغة العربية ثان اللغات انتشارا فى إسرائيل بعد العبرية.
الكنيست الإسرائيلى
وصدق الكنيست الإسرائيلى على القانون يوم 19 يوليو الماضى، بأغلبية 62 نائباً مقابل 55 نائباً معارضين، وامتناع عضوين عن التصويت، والذى ينص على أن دولة إسرائيل هى الوطن القومى للشعب اليهودى، واللغة العبرية هى لغة الدولة الرسمية الوحيدة، مع قصر حق تقرير المصير على اليهود، وتأكيد أن القدس الكبرى والموحدة العاصمة الأبدية لإسرائيل، وتشجيع الاستيطان اليهودى فى كل مكان فى أرض إسرائيل.
"اليوم السابع" تواصل مع عدد من مثقفى الأراضى المحتلة "فلسطينى الداخل" من أجل استطلاع أرائهم حول القانون، حول أثر القانون على الهوية الفلسطينية.. وعلاقته بسياسيات الفصل العنصرى الإسرائيلى.. ودورهم كمثقفين فلسطينيين تحت الاحتلال فى مواجهة تلك القانون العنصرى.
رئيس مجمع اللغة العربية بالناصرة: قانون القومية اليهودية عنصرى بامتياز
الدكتور محمود غنايم
قال الدكتور محمود غنايم، رئيس مجمع اللغة العربية بالناصرة، إن القانون بصورة يكشف فاضحة أن إسرائيل هى دولة اليهود ولا ذكر لأية قومية أخرى فى بنوده، كما أنه يخلو من أية إشارة إلى الأقليات الموجودة داخل إسرائيل، أو من النية فى معاملتها بمبدأ المساواة، والقارئ لهذا القانون بنظرة ثاقبة يصدم حين يكتشف أن القانون لا يتحدث عن الجانب القومى فحسب، بل يصرّ على الجانب الدينى والحق التاريخى الذى لوّح به حكام إسرائيل على مدى عدة عقود، وفى ذلك انتصار لنتنياهو الذى أراد إرضاء أحزاب اليمين المتطرف قوميًا ودينيًا على حساب النخب المثقفة التى تسعى إلى التستّر على عورة إسرائيل أمام العالم المتنور.
وأضاف "غنايم" فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع": وهكذا فمعظم المعارضين اليهود لهذا القانون يقض مضجعهم فى الأساس غياب البعد الصهيونى القومى الموسوم "بالمعتدل" وانكشاف البعد القومي-الدينى المتطرف، وبلغة الأرقام فنسبة المعارضين لهذا القانون من اليهود لا تزيد عن 35 بالمائة بينما يؤيده أكثر من 60 بالمائة، وهذا يدلل بوضوح تام أن المجتمع الإسرائيلى يستفحل فى قطاعاته التطرف القومى والدينى عامًا بعد عام.
وتابع: ولكن النقطة الأهم بالنسبة لى كفلسطينى هى الكراهية التى تفوح من هذا القانون للفلسطينيين الأصلانيين الذين ما زالوا يتمسكون بأرضهم وتراثهم ولغتهم. فثمة محاولة يائسة من أحزاب اليمين المتطرف لإبعاد ذلك الآخر العربى ومحو حضوره من الحياة المدنية والسياسية وسحق وجوده فى الحيز العام، ويتجلى ذلك بإلغاء اللغة العربية كلغة رسمية بعد أن امتنع بن غوريون عن اقتراف هذه الفعلة وأبقى على القانون الانتدابى الذى أقرّ اللغتين العربية والعبرية كلغتين رسميتين فى إسرائيل (بعد إلغاء اللغة الإنجليزية)، وللحقيقة والتاريخ، فقد كان الترتيب: الإنجليزية والعربية والعبرية. أى أن العربية سبقت العبرية فى القانون الانتدابى هذا القانون هو سحق لرسمية اللغة العربية وإلغاء قانونى لها بعد أن كانت على أرض الواقع مهملة، واستعملت كل الوسائل لتصويرها كلغة متخلفة وسوقية للشتائم والأطعمة الشعبية، كالحمص والفلافل وغيرهما.
ولفت الدكتور محمود غنايم: عام 2007 كانت هناك مبادرة من اليسار الإسرائيلى مع بعض أعضاء الكنيست العرب لتأسيس مجمع للغة العربية، وقد سن قانون لتأسيس مجمع مواز للمجمع العبري. وكانت الظروف السياسية مهيأة لإقرار ذلك القانون الذى أدخل البهجة إلى نفوس الفلسطينيين، ولو من الناحية الرمزية، وبصفتى رئيسًا لهذا المجمع منذ تأسيسه أرى أن قانون القومية يطعن هذه المؤسسة وأهلها فى الصميم، على الأقل من الناحية الرمزية، لأن الناحية العملية تقول غير ذلك، فاللغة العربية على أرض الواقع لا تعامل كلغة رسمية، كما أن أهلها لا يعاملون كأكفاء لا فى الميزانيات ولا فى النظرة الإيجابية نحوهم.
وأتم: الأقلية الفلسطينية لن تستسلم وستقف ضد هذا القانون، مع أن سياسة التمييز العنصرى لا تتوقف عن نهش الثقافة واللغة، بل تبدأ من سلب الأراضى والتضييق فى السكن والعمل والتعليم وجميع نواحى الحياة، ولكن التضييق الآن ليس على المستوى العملى، التمييز الآن يأخذ طابع القانون. والقانون الذى سنته الكنيست هو من القوانين الأساسية التى تنوى إسرائيل أن يكون أحد الأركان لدستورها القادم، وهو قانون عنصرى بامتياز.
فدى جريس: شرعنة للممارسات الصهيونية
فدى جريس
بينما قالت القاصة فدى جريس: إن الفلسطينيين متمسكون بهويتهم رغم كل هذه القوانين والحقيقة ان إسرائيل تتعامل معنا بهذا الشكل منذ قيامها وليس من جديد فى نظرتها وأسلوبها العنصرى، سوى أن هذا القانون يحاول الآن شرعنة هذه الممارسات.
وأضافت "جريس": طبعا القانون جزء من سياسات الفصل العنصرى الإسرائيلى الذى يزعم أن إسرائيل دولة لليهود ويهمش ويحط من جميع الآخرين، سكان البلاد الأصليين، وهو إمعان فى محاولة الفصل الذى تحاول إسرائيل دومًا تطبيقه بين اليهود وغيرهم من سكان هذه الأرض.
وأتمت صاحبة المجموعة القصصية "القفص": ما زلت لا أعلم كثيرًا عن مدى مواجهة المثقفين لهذا، لكن أنا بشكل شخصى أواجهه بالاستمرار فى الكتابة والتوجه إلى العالم لفضح هذه الممارسات، وأعتقد أن دور المثقفون هنا بالغ الأهمية فى التوعية ولفت الانتباه لما يجرى إن كان على صعيد فلسطين أم خارجها.
منى ظاهر: القانون متوقع فى ظل السياسات الراهنة المستفحلة فى العنصرية
الكاتبة والباحثة منى ظاهر
فى السياق ذاته قالت الكاتبة والباحثة منى ظاهر: القرار صعقنى وأحزننى، رغم أنّه للصراحة كان متوقّعا فى ظل السياسات الراهنة المستفحلة فى العنصرية، فسيطرة اللّغة العبرية وهيمنتها على لغتنا لم يأت بمحض الصدفة، بل هو مخطّط ومدروس وله أبعاد سياسية لا تخفى عنا، وظاهرة اندثار اللّغة عمومًا هى ظاهرة موجودة منذ القدم، فقد بات الأمر جليا وواضحًا فى كل مرافق الحياة، خصوصًا فى المدن والأحياء المختلطة الّتى يسكنها يهود وعرب.
وأضافت "ظاهر": ولأننا مثقّفين وكتابًا ومبدعين فى تماس تام مع معترك الحياة الواقعية بكل مستوياتها البشريّة، فإن دفاعنا عن هويّتنا القومية الّتى من مركباتها لغتنا أيضا، كان لا بد لنا أن نستهجن، بل نرفض، هذه السياسة الممنهجة ضدنا فى الدّاخل الفلسطينى.
وتابعت الكاتبة منى ظاهر: فى الوقت الى تدفع فيه الشعوب أثمانًا باهظة من الأرواح والدّماء، بما فيها من اعتقالات فى السّجون وسياسات التّفقير والتّهجير والتّخوين والتّكفير والموت البطيء، نجد أنفسنا فى الداخل والخارج نرزح تحت راية سلطويّة عليا من الإرهاب الفكرى والاستبداد الديّنى والاستبداد السياسى، لكنّ ذلك العنف كلّه لن يقف حتمًا أمام مشروع جادٍّ حقيقى إبداعى نحارب فيه ما يسقط علينا من حمم سوداء مظلمة، هذا المشروع يأتى بلغتنا الّتى لا شفاء من عشقنا لها هى العربيّة السّاحرة، لغتنا الأصلانية، لغة الوجدان واللّب، حيث تتأتّى الكتابة الإبداعيّة حينها رافضة للمساومة، لترتقى بهذا الواقع بكلّ مكوّناته، رافضة لما فيه، مقاوِمَة ومحلّقة نحو فضاءات التّوق للحقيقة والحرّيّة والإنسانيّة الّتى بتماسّ مع الكونيّة.
وأوضحت "منى ظاهر": إضافة إلى أنّه وفى ظل الظّروف الّتى تحاصرنا فى مجتمعنا الفلسطينى فى البلاد، فإنّ دورنا كمبدعين ومثقّفين ودارسين مهمّ للغاية للعمل على توظيف ذاكرتنا وواقعنا اليومى فى إبداعنا وفى عملنا، فى خضمّ واقعٍ صارخ بالتّمييز ضدّنا على كافّة الصّعد وحتّى التّفكير فى اتّخاذ خطوات وتدابير لترحيلنا أو ما يعرف بمصطلح "التّرانسفير" وتضييق الحال، وأخيرًا المصادقة على قانون القومية العنصرى هذا، وعلى هذا الأساس فإنّه من مسئوليّتنا التّوعية لأهمية الحفاظ على لغتنا العربية والتّواصل بها فى أوساط الصغار والكبار، وفى مؤسساتنا التربوية التعليمية كالمدارس والمعاهد بغية تنشئة جيل يعتز أكثر بهويته ولغته وحضارته، إضافة إلى الاهتمام بنشر الإبداع العربى المحلى فى الدول العربيّة أيضًا، والاهتمام بترجمته ليصل العالم الغربى للتّعريف بإبداع الفلسطينيّين، فى الدّاخل وما يحمله من مكوّنات شخصيّته وواقعه وهمّه الّذى يصعُب على الآخر البعيد عن المنطقة أن يفهمه.
ولفتت "ظاهر": من المهم فى هذا السياق التّفكير بالعمل النّاجع لنحافظ على لغتنا، من هنا يجب البدء بفحص السّبل لتطوير أساليب التّعليم فى مدارسنا ومؤسّساتنا وكيف يمكننا أن نتغلّب على النّواقص والتّحدّيات؛ من حيث استخدام اللّهجة العامّيّة واللّغة المحكيّة الّتى لا تنفصل اللّغة العبريّة أو بعض الكلمات الإنجليزيّة عنها فى الحياة اليوميّة عند الجيل الغضّ أيضًا، حيث أنّ اللّغة العبرية على الغالب باتت واصلة ومتسلّلة إلى كلّ شرائح المجتمع وأجياله المختلفة، شفويًّا وكتابيًّا، ممّا يشكّل تهديدًا على استخدامنا الأمين للغتنا العربيّة (المحكية والفصيحة)، فقد تجد بعض الجمل الّتى يتفوّه بها الأشخاص متكوّنة من لغة هجينة تمتلئ فيها العبريّة وأيضًا الإنجليزيّة مع كلمات باللّغة العربية بلهجة عاميّة فلسطينيّة متزاوجة مع عاميّة لبنانيّة خصوصًا بتأثير من برامج الشّباب على فضائيّات المحطّات اللّبنانيّة.
وأتمت: بناءً على ذلك، فإنّه من واجبنا- مربّين ومعلّمين ومثقّفين ومبدعين أن نسعى للتّركيز والتّركّز أكثر على استعمال اللّغة الفصيحة المعياريّة فى دروس اللّغة العربيّة وآدابها فى مراحل التّعليم المبكرة وحتّى المرحلة الثّانويّة. فاللّغة العربيّة تحتاج منّا إلى دعم كى نستخدمها بشكل متواصل، ليس كتابيًّا فقط، بلّ شفويًّا وتعبيريًّا كذلك. وأيضًا من المهمّ استخدام اللّغة العربيّة واللّهجة العاميّة فى بقيّة التّخصّصات من كافّة المواضيع فى مدراسنا العربيّة، لكنّ القرار العنصرى يأتى لينسف المحاولة الجادّة تلك!! وينسف مكانة لغتنا الّتى كانت رسميّة إلى حدّ ما فى البلاد. مع ذلك سنظلّ نصرّ على استخدام لغتنا بشكل أكبر لنؤكّد على حيويّتها، وقوّتها وقوّتنا واحترامنا لوجودنا وصمودنا وكينونتنا.
رئيس نادى أدب حيفا: الهوية الفلسطينية متجذرة بداخلنا
فؤاد نقارة
بينما قال الكاتب والمفكر الفلسطينى فؤاد نقارة، رئيس نادى أدب حيفا: إن كل ما ذكر فى القانون منفذ ولم يكن بحاجة إلى قانون وإنما جاء القانون ليؤكد ما كان معمولاً به وليصفع كل من كان يتماها مع الدولة من خدمة عسكرية وما شابه.
وأضاف "نقارة" مقتضبا: أعلنها لهؤلاء صراحة أن الدولة ليست لهم، الهوية العربية الفلسطينية متجذرة فينا ولا يستطيع اى كان ان يلغيها او يغيبها لنا مؤسساتنا الخاصة ومدارسنا الخاصة ونعرف كيف نحافظ عليها ثقافتنا ثقافة الكلمة فقط.
مبادرات تعليم اللغة تواجه القانون
يذكر أن القانون آثار جدلا واسعا فى صفوف فلسطينيى الأراضى المحتلة، بمجر الإعلان عنه، حيث قام عدد كبير من الكتاب الفلسطينيين بمبادرات من أجل مواجهة تلك القانون الجائر، ومن بين تلك المبادرات ما أعلنت عنه جمعية نسيجنا عن افتتاح دورة تعليم خط عربى لطلاب المدارس، لمواجهة تلك القانون التى يطمس وجود اللغة العربية فى إسرائيل.