"الأماكن التى لم توافق البطريركية على إنشائها كأديرة سيتم تجريد من قام بهذا العمل من الرهبنة والكهنوت والإعلان عن ذلك، مع عدم السماح بأى أديرة جديدة إلا التى تقوم على إعادة إحياء أديرة قديمة، ويتم ذلك من خلال رعاية دير معترف به (عامر)"، حملت السطور السابقة القرار الثاني الذى استصدره "البابا تواضروس الثاني" من المجمع المقدس للكنيسة ضمن القرارات المعروفة باسم "ضبط الرهبنة" القبطية، إلا أن تلك القرارات التى وصفت بالحاسمة سبقتها بيانات تمهيد متابعة من المجمع المقدس ومن الكنائس منفردة ومن المتحدث الرسمى باسم الكنيسة القس بولس حليم، حذرت فى أكثر من مناسبة من تلك المبانى التى انتشرت فى صحارى مصر، حملت شكل الأديرة الخارجى دون روحها، بنيت بتبرعات الأقباط وأموالهم دون مشورة كنيستهم ومجمعها المقدس، فتسببت فى أزمات متتابعة بين الدولة والكنيسة من ناحية، وبين الكنيسة والأقباط من ناحية أخرى.
كيف يبنى دير قبطى فى مصر؟
الأنبا مرقس اسقف شبرا الخيمة
يستلزم بناء دير قبطى فى مصر، ووفقا لقانون الكنيسة الحصول على إذن من بطريركية الأقباط الأرثوذكس موقعًا من البابا تواضروس الثانى باعتباره الرئيس الأعلى للأديرة المصرية ومدبرها الروحى، وفقا لما يؤكده الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة وهو نفس الأمر المنصوص عليه فى لائحة الأديرة التى أصدرها البابا تواضروس عام 2013، ومن ثم فإن تلك الأديرة التى لم تحصل على هذا التصريح قبل إنشائها لا تتبع الكنيسة القبطية وليس للكنيسة أى سلطة عليها.
يوضح أسقف شبرا الخيمة فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، الخطوات اللازمة للحصول على إذن كتابى من بطريركية الأقباط لبناء دير، فى البداية لا بد من الحصول على الإذن قبل شراء الأرض، ووجود تجمع رهبانى يرغب فى الإقامة بالدير ثم البدء فى شرائها بناءا على ذلك ويفضل أن تكون بالمنطقة حياة رهبانية سابقة ويعيد الدير الجديد إحيائها من جديد، وتسجل أرض الدير باسم بابا الإسكندرية بصفته أو أحد الأساقفة مندوبًا عن البابا ووكيلًا عنه.
فى الخطوة التالية، يعرض الحاصل على التصريح الذى يشترط أن يكون من إكليروس الكنيسة، سواء أحد الآباء الرهبان أو الأساقفة، الرسم الهندسى للدير المراد بنائه على البطريركية مرة أخرى، ليحصل على الموافقة.
فى الخطوة الثالثة، وبناء على هذا التصريح، تنتدب الكنيسة أحد الآباء الرهبان أو الأساقفة للإشراف على عملية تمويل بناء الدير إما عن طريق التبرعات للكنائس أو جمع الأموال بأى طريقة بنكية أو نقدية على أن يتم تقديم ما يفيد ذلك وموافاة الكنيسة أولًا بأول، وينتهى هذا الإجراء ببناء الدير.
الخطوة الرابعة هى انتداب الكنيسة القبطية أحد الأساقفة أو الرهبان للإشراف على الحياة الرهبانية الجديدة فى هذا الدير، التى عادة ما تبدأ برهبان فى أديرة أخرى يبدأون فى تعمير الدير الجديد حتى يتثنى للدير قبول طالبى رهبنة جدد.
الخطوة الخامسة، هى استيفاء الشروط والمعايير، وانتظام الحياة الروحية والديرية بالدير الجديد والتقدم للجنة شئون الأديرة بالمجمع المقدس من أجل الحصول على اعتراف المجمع المقدس بهذا الدير، حيث تنتدب لجنة شئون الأديرة لجنة من الآباء الأساقفة لمعاينة الدير والتأكد من استيفائه للشروط والمعايير وتصدر تقريرا بعد ذلك يرفع للمجمع المقدس عن تفاصيل الحياة داخل الدير وهل يستحق الحصول على اعتراف المجمع أم إن الوقت مازال أمامه لترتيب وتنظيم الحياة الرهبانية فيه.
الخطوة السادسة، بعدما تطمأن الكنيسة إلى صحة الحياة الرهبانية والديرية فى الدير الجديد، تصدر قرارا بالاعتراف بالدير ضمن أديرتها القبطية وتعلم بذلك كافة جهات الدولة رسميًا.
كيف بنيت الأديرة غير المعترف بها كنسيًا؟
صورة لأحد الأديرة
هناك فجوة واسعة بين بناء الدير واستيفائه شروط الكنيسة القبطية وحتى الحصول على اعتراف الكنيسة ممثلة في مجمعها المقدس به رسميًا، هناك بعض الأديرة مثلما يشرح أسقف شبرا الخيمة الأنبا مرقس، تخضع لإشراف الكنيسة لحين الحصول على اعتراف المجمع المقدس بها، ولكنها فى الوقت نفسه كانت قد حصلت على تصريح رسمى من البطريركية لشراء الأرض، تلك الأديرة مازال أمامها وقت للاعتراف بها، مثل دير الأنبا مكاريوس بوادى النطرون، وهو الأمر الذى يختلف كليًا عن تلك الأماكن التى بنيت دون إذن الكنيسة ولم تسعى لتقنين أوضاعها أو الحصول على اعتراف رسمى بها.
بالنسبة للأديرة التي بنيت بعيدا عن أعين الكنيسة فإن قرارات ضبط الرهبنة التى صدرت مؤخرا عن الكنيسة القبطية قد حذرت منها إذ جاء في البيان "مناشدة جموع الأقباط بعدم الدخول فى أى معاملات مادية أو مشروعات مع الرهبان أو الراهبات وعدم تقديم أى تبرعات عينية أو مادية إلا من خلال رئاسة الدير أو من ينوب عنهم".
أديرة حذرت الكنيسة الأقباط من زيارتها أو التبرع لها
في ظل معاناة الكنيسة القبطية من تلك الأديرة الوهمية صدرت عدة بيانات متتابعة تحذر جموع الأقباط من زيارة تلك الأماكن أو التبرع لها، من بين ذلك المباني التي أسسها رجلًا يدعو نفسه "أغابيوس الفاخورى" وبالميلاد قديس رؤوف غالى زعم إنها راهبا قبطيًا تمكن من جمع تبرعات بالملايين لينشأ ما أطلق عليه ديرا قبطيًا يجتذب مئات الزيارات، صدر ضده قرارا رسميا من المجمع المقدس جاء فيه "أن المدعو ليس راهبا بالكنيسة القبطية ولم تتم رهبنته بأى دير من الأديرة القبطية ولا يحمل أى صفة كهنوتية ونحذر من التعامل معه فى المنطقة التى يقطن بها بالطريق الصحراوى "القاهرة – الإسكندرية"، وكذلك يحذر المجمع المقدس من التعامل مع الأماكن الأخرى المماثلة لهذا الوضع وليست تحت إشراف واعتراف الكنيسة ويوصى المجمع بعمل توعية شعبية شاملة عن هذه الأماكن غير المعترف بها كنسيا لمنع التعامل معها".
كما أصدرت بطريركية الإسكندرية للأقباط العام الماضى بيانا حذرت فيه من بعض الأماكن التي قال أصحابها إنها أديرة قبطية ومن ذلك مكان يسمى الأنبا كاراس بوادى النطرون، وأخر للفتيات يسمى دير عمانوئيل بوادي النطرون، ومنشآت تسمى يوحنا الحبيب بطريق الإسماعيلية، وهو غير بطمس المشرف عليه الأنبا بطرس الأسقف العام، ومكان على أبوسيفين يطلق على نفسه دير الزيتونة بطريق العبور". وحذرت البطريركية الشباب والشابات الأقباط بعدم تنظيم "خلوات" أو التقدم للالتحاق بالرهبنة فى هذه الأماكن، وكذلك حذرت الأقباط ورجال الأعمال من تقديم أى عطايا مادية أو عينية لهذه الأماكن.
حكاية دير وهمى يحمل اسم "العذراء والأنبا كاراس السائح" بالنطرون
يعقوب المقاري
فى مارس 2015، أصدر دير الأنبا مقار بيانًا رسميًا موقعًا من الأنبا ابيفانيوس أسقف ورئيس دير الأنبا مقار العامر بوادى النطرون، يعلن فيه تسريح الراهب "يعقوب المقارى" وقطع أى علاقة له بالدير وعدم مسؤوليته عن أى تعاملات مالية أو مشاكل يقوم بها هذا الراهب.
سبق البيان عدة تحذيرات تلقاها الراهب من الأنبا ابيفانيوس رئيس ديره تطالبه بالتوقف عن جمع تبرعات لإنشاء دير يسمى "العذراء والأنبا كاراس" بوادى النطرون، بعدما أجاب البابا تواضروس على سؤال من أحد الصحفيين أكد فيه إن الكنيسة ليس لديها ديرًا بهذا الاسم، بينما كان الراهب يعقوب من بين رهبان منحهم البابا شنودة رتبة القسيسة وعمل منفردًا على بناء الدير الجديد.
تعود قصة هذا الدير الوهمى إلى تبرعات تمكن "يعقوب" من جمعها من رجال أعمال أقباط ومن شعب الكنيسة بلغت ما يقرب من 33 مليون جنيه، لإقامة دير على مساحة 53 فدانا، وبعدما تمكن بالفعل من بناء الدير، رفض تسجيل الأرض باسم البابا تواضروس الثاني باعتباره الرئيس الأعلى للأديرة القبطية، ورفض أيضا تسليم الدير للكنيسة، بل وعمل على طرد الرهبان، على اعتبار أن الأرض باسمه، ومن ثم جردته الكنيسة من رهبنته، وأعلنت قطع علاقتها به.
دير الأنبا مكاريوس بوادي الريان..شوكة بلعتها الكنيسة
دير المنحوت
ظل دير الأنبا مكاريوس بوادي الريان، شوكة فى حلق الكنيسة القبطية منذ تأسيسه عبر التبرعات وبناء أسوار عاتية له، حتى تجدد الأزمة مع الدولة التى أردات شق طريق يمر بالدير الأمر الذى استلزم هدم جزء من سوره، فلم يحظى الدير الواقع فى محمية وادى الريان الطبيعية على اعتراف المجمع المقدس حتى اليوم، رغم إنه حصل من قبل على تصريح من الكنيسة لبناءه ويعرف باسم الدير المنحوت، حيث سبق وعاش فيه القمص متى المسكين مع تلاميذه من الرهبان في الفترة ما بين الخمسينات والستينات من القرن الماضى.
بعد سنوات من استعداء الكنيسة والدولة معًا بسبب رفض رهبان هذا الدير شق طريق دولى، انتهت الأزمة بالقبض على الراهب بولس الريانى وإيداعه سجن الفيوم بتهم التعدى على موظفى وزارة البيئة، وقضى عقوبته بالفعل وخرج وعاد إلى ديره بعدما تم تسجيل أرض الدير باسم البابا تواضروس وتنفيذ اتفاق قاده إبراهيم محلب مستشار رئيس الجمهورية للمشروعات يقضى بتقنين أوضاع الدير رسميا وشق طريق الفيوم مارا به.
عقب انتهاء الأزمة، كلف البابا تواضروس الثانى، الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا بالإشراف الروحى على الدير والبدء فى إصلاحه روحيًا وتنظيم حياة رهبانه، وقد عمل الأسقف على ذلك طوال العامين الماضيين حتى أصدر البابا قرارا جديدا منذ أيام انتدب بموجبه القمص مرقس الصموئيلي الراهب بدير الأنبا صموئيل بالمنيا، مدبرا روحيا للدير يقيم مع الرهبان ويدير حياتهم تمهيدا لحصول الدير على اعتراف الكنيسة رسميًا.
دير المنحوت من الداخل
كان البابا تواضروس الثاني قد أصدر 12 قرارا لضبط الرهبنة القبطية يمنع الرهبان بموجبها من جمع تبرعات إلا بعد الحصول على إذن كتابى من رئيس الدير التابعين له وتحت إشرافه.
الدير المنحوت بوادى الريان