تشهد مأموريات الضرائب العقارية زحاما وإقبالا من المواطنين على سداد الضريبة وتقديم الإقرارات الضريبية، وهو ما جعل وزارة المالية تمد فترة سداد الضريبة بدون غرامات للمرة الثانية حتى 15 أكتوبر المقبل، وفى وسط هذا المشهد يظهر مدعو أن الضريبة غير دستورية وهو ما ردت عليه الحكومة ردا قاطعا بأنه لا يوجد أى قضايا منظورة للطعن فى دستورية الضريبة، فلماذا هذه الضجة الكبيرة على ضريبة صدر قانونها منذ 10 أعوام؟
بداية الضريبة العقارية ليست مستحدثة فى مصر فعمرها قارب المائتى عام، حيث فرضت لأول مرة فى عهد محمد على باشا على عقارات الأجانب المقيمين فى مصر، وهم تحت الحماية البريطانية وقتها وعندما رفضت الأجانب الخضوع للضريبة لجأت مصر لبريطانيا فى ذلك الوقت وتم خضوع الأجانب بالفعل، ومع مرور السنوات بدأت الضريبة تسرى على عقارات المصريين أيضا.
الضريبة العقارية وليدة 200 عام
القصة التاريخية للضريبة العقارية كما يرويها الخبير الضريبة محمود جاب الله، ليست وليدة العصر الحديث، ولكن كان أول قانون للضريبة العقارية تشهده مصر فى العصر الحديث هو القانون رقم 56 لسنة 1954 الصادر فى عهد الرئيس عبد الناصر وكان يطلق عليه "العوايد"، وصدر بعده 32 قانونا تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر وتعفى أو تخفض الضريبة لغير القادرين، ولكن كان الخضوع لهذا القانون قاصرا على العقارات الموجودة داخل كردون المدن فقط، وعلى مر السنين تم بناء مدن كاملة خارج الكوردون مثل القاهرة الجديدة والساحل الشمالى لم تكن خاضعة للضريبة العقارية طبقا للقانون السارى فى ذلك فى الوقت، فكان هناك حاجة ماسة لقانون جديد للضريبة العقارية يخضع الفيلات والقصور التى تتخطى أسعارها ملايين الجنيهات للضريبة، فصدر القانون رقم 56 لسنة 2008 الجديد فى عهد حكومة نظيف.
ورغم صدور قانون الضريبة العقارية عام 2008، إلا أن تفعيله لم يبدأ سوى عام 2013 للعديد من الأسباب أهمها المقاومة الشديدة فى فترة ما قبل 2010 وأحداث الأزمة المالية العالمية التى عطلت صدور اللائحة لاتنفيذية للقانون، ونهاية بقيام ثورة يناير 2011 ثم سيطرة الإخوان على الحكم وتجميد الرئيس المعزول محمد مرسى للقانون، حتى أعاد الرئيس عبد الفتاح السيسى تطبيقه عام 2013، وينص القانون على أن الوحدة السكنية التى تصل قيمتها الإيجارية إلى 24 ألف جنيه سنويا، أى قيمتها السوقية تعادل حوالى 2 مليون جنيه تخضع للضريبة.
لماذا ثارت الضجة الآن حول قانون لم يشهد أى تعديلات جديدة منذ 5 أعوام؟
خلال الفترة الأخيرة كثفت وزارة المالية حديثها حول الضريبة العقارية ومطالبتها للمواطنين ومالكى العقارات ممكن تلقوا إخطارات سداد الضريبة بالإسراع بسدادها وتقديم الإقرارات الضريبية عن العقارات المستجدة او التى تم بناؤها حديثا، وفى هذا السياق يوضح الخبير الضريبى أن القانون ينص على ضرورة إعادة الحصر الشامل للعقارات المبنية وإعادة تقدير الضريبة كل 5 سنوات، والتقدير الأول للضريبة تم منذ عام 2013، بما يعنى أن الحصر الجديد وإعادة التقدير يجب أن تتم خلال العام الحالى 2018، وأن يتقدم جميع مالكى العقارات بإقرارات جديدة خلال الفترة الحالية، ولكن الحكومة غير مستعدة حاليا للقيام بهذه الإجراءات، فتم الاستعاضة عن ذلك بالحملة الإعلامية التى تقوم بها الوزارة حاليا لتوعية المواطنين بضرورة سداد الضريبة وتقديم الإقرارات بالنسبة للعقارات الجديدة التى تم بناؤها حديثا.
وفى تصريح سابق لليوم السابع أكدت الدكتورة سامية حسين رئيسة مصلحة الضرائب العقارية، أنه لا يوجد حصر عام جديد للعقارات ولكن الحصر الذى تجريه مصلحة الضرائب العقارية حاليا هو حصر المستجدات السنوى للعقارات التى يستحدث بناؤها، وهو ما يتم مطالبه ملاكه بتقديم إقرارات عنه لأنه غير مسجل بدفاتر المصلحة.
وحققت حصيلة الضرائب العقارية 1.8 مليار جنيه خلال السنة المالية 2017/2018، مقابل 969 مليون جنيه فى السنة السابقة عليها، طبقا لبيانات وزارة المالية، ولم يتم إعلان تفاصيل الحساب الختامى لموازنة السنة المالية المنتهية 2017/2018.
الضريبة العقارية دستورية بحكم المحكمة
وفى ظل المجهود الذى تقوم به وزارة المالية للتعريف بالضريبة العقارية وتوعية المواطنين بأهمية سدادها فى موعدها، تعالت الأصوات المنددة بالضريبة مرة أخرى وادعت وجود قضايا منظورة بالمحكمة تطعن بعدم دستوريتها وهو ما نفته الحكومة نفيا قاطعا.
الحقيقة التى قد لا يعرفها كثيرون أن هناك حكم قضائى صدر بالفعل بدستورية الضريبة العقارية عام 2002، وترجع وقائع هذا الموضوع بحسب ما يرويه الخبير الضريبى إلى وجود مشكلة بين الشركة القومية للأسمنت وهى إحدى شركات قطاع الأعمال العام، ومصلحة الضرائب العقارية حول تقديرات الضريبة العقارية على أرض فضاء خاصة بالشركة عن عامى 1991 و 1992، وخلال القضية التى حملت رقم 96 لسنة 22 قضائية، فقد طعنت الشركة بعدم دستورية الضريبة العقارية، ولكن جاء الحكم وقتها مؤكدا دستورية الضريبة العقارية.