فى الوقت الذى فرضت فيه الولايات المتحدة عقوباتها على إيران وتركيا، بينما لوحت بإجراءات عقابية على الحلفاء الأوروبيين، إذا ما اتخذوا خطوات من شأنها التخفيف من تأثير العقوبات الأمريكية على طهران، اتخذت واشنطن بالتزامن عقوبات جديدة على موسكو، على خلفية تورط الأخيرة فى قضية تسميم العميل الروسى المزدوج سيرجى سكريبال، وهو ما يطرح تساؤلات حول الهدف من الإجراءات الأمريكية الجديدة ضد روسيا، فى هذا التوقيت، والتى جاءت بعد أسابيع قليلة من قمة هلسنكى الأخيرة، والتى جمعت بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ونظيره الروسى فلاديمير بوتين.
ولعل حديث الإدارة الأمريكية عن حادث تسميم العميل الروسى المزدوج فى الأراضى البريطانية، باعتباره السبب المباشر للعقوبات الأمريكية الجديدة على موسكو، والتى سوف تدخل حيز النفاذ فى 22 أغسطس القادم، كان ملفتا للانتباه إلى حد كبير، خاصة أن الموقف الأمريكى من الأزمة منذ بدايتها كان باهتا، حيث لم تتخذ واشنطن زمام المبادرة فيما يتعلق بالإجراءات الدبلوماسية التى اتخذها الغرب تجاه روسيا، بينما جاءت العقوبات الأمريكية بعد شهور طويلة من اندلاعها، وهو ما يثير الشكوك حول توقيت الإجراءات الأمريكية أو طبيعة الأهداف وراءها.
قمة هلسنكى.. عقوبات أمريكية على عكس التيار
يبدو أن التداعيات الكبيرة لقمة هلسنكى، التى واجه الرئيس ترامب على إثرها اتهامات بالعمالة لصالح موسكو، كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء الإجراءات الأمريكية الأخيرة تجاه روسيا، حيث أصبحت الإدارة الأمريكية مطالبة بإجراءات تبدو قوية ضد النظام الروسى لدحض الاتهامات التى يحاول الديمقراطيون الترويج لها فى الداخل الأمريكى، وذلك قبل شهور قليلة من انطلاق انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، والتى يسعى خلالها الحزب الجمهورى الاحتفاظ بالأغلبية خلالها.
الإجراءات العقابية الأمريكية التى استهدفت موسكو ربما تأتى على عكس التيار، حيث تتعارض إلى حد كبير مع المنحى الدبلوماسى الذى تبناه الرئيس ترامب تجاه روسيا فى الأشهر الماضية، حيث سعى إلى التقارب مع الرئيس بوتين، ملقيا باللوم على أسلافه والمؤسسات الأمريكية، فى توتر العلاقات بدرجة كبيرة خلال السنوات الماضية، كما أن سعى الإدارة الأمريكية نحو التقارب مع الروس لم تتوقف على ذلك، وإنما امتدت إلى قيام البيت الأبيض بتقديم الدعوة للرئيس الروسى بزيارة إلى الولايات المتحدة فى شهر ديسمبر المقبل.
تصعيد ليس بجديد.. دعايا ترامب تستهدف الداخل الأمريكى
التصعيد الأخير الأمريكى تجاه روسيا ليس بالجديد، حيث أنه يعيد إلى الأذهان الحرب الكلامية التى شنها الرئيس ترامب تجاه موسكو، عندما أطلق تهديدا مباشرا بضرب القوات الروسية فى سوريا بالصواريخ، بعد المزاعم التى دارت حول استخدام الحكومة السورية لأسلحة كيمائية فى هجوم على أحد معاقل المعارضة، حيث قال فى تغريدة له آنذاك "استعدى يا روسيا فالصواريخ قادمة.. سنضرب سوريا بصواريخ جديدة وذكية"، وهو ما اعتبره البعض تصعيدا أمريكيا قد يحول الأراضى السورية إلى ساحة لمعركة دولية كبيرة.
تغريدة ترامب
إلا أن الهجوم العسكرى، والذى قادته الولايات المتحدة تجاه سوريا، بمشاركة كلا من بريطانيا وفرنسا، ربما لم يتمكن من تحقيق أى نجاح يذكر، كما أنه لم يكن موجها بالأساس إلى القوات الروسية فى سوريا، وهو ما يعنى أن تصريحات ترامب لم تكن أكثر من مجرد دعايا تحمل فى طياتها خطابا للداخل الأمريكى أكثر منه للخارج، فى ضوء الحديث المتواتر التحقيقات التى تجريها السلطات الأمريكية حول التدخل الروسى فى انتخابات الرئاسة التى فاز بها ترامب على حساب منافستها الديمقراطية هيلارى كلينتون.
سيرجى سكريبال.. الحلفاء ليسوا أولوية لدى ترامب
ويعد الحديث عن ارتباط العقوبات الأمريكية الجديدة على روسيا بتسميم العميل الروسى سيرجى سكريبال فى ذاته متعارضا مع توجهات الإدارة الأمريكية الحالية التى تسعى لتعميق القواسم المشتركة بينها وبين خصوم أمريكا التاريخيين، ربما على حساب الحلفاء أو القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان، وهو الأمر الذى بدا واضحا فى النهج الذى تبناه الرئيس ترامب فى التعامل مع العديد من الملفات الدولية والذى اعتبره قطاع كبير من المحللين باعتباره انقلاب على الطريقة التى تعامل بها أسلافه لعقود طويلة من الزمن.
ولعل التجاهل الأمريكى لمخاوف الحلفاء فى آسيا، وعلى رأسهم اليابان، خلال قمته التى عقدها مع الرئيس ترامب مع نظيره الكورى الشمالى كيم جونج أون، دليلا دامغا على أن مصلحة الحلفاء ليست أولوية كبيرة فى أجندته، حيث تجاهل الرئيس الأمريكى مطالب اليابان بالضغط على بيونج ياتج فيما يتعلق بقضية المخطوفين هناك، كما أن ترامب كذلك تجاهل مصالح حلفاءه الأوروبيين فى العقوبات الأخيرة التى فرضها على طهران، وهو ما يمثل امتدادا لشعار "أمريكا أولا" الذى سبق وأن رفعه ترامب منذ بزوغ نجمه على الساحة السياسية فى الولايات المتحدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة