سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 9 أغسطس 2008.. وفاة الشاعر الاستثنائى محمود درويش بعد نزع أجهزة الإنعاش من جسده فى مستشفى بأمريكا

الخميس، 09 أغسطس 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 9 أغسطس 2008.. وفاة الشاعر الاستثنائى محمود درويش بعد نزع أجهزة الإنعاش من جسده فى مستشفى بأمريكا محمود درويش

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أطل الرئيس الفلسطينى محمود عباس على شاشات التليفزيون لينعى «رائد المشروع الثقافى الفلسطينى الحديث»،بعد أن أطل الدكتور عبد العزيز الشيبانى على شاشة فضائية «العربية»ليحسم الجدل حول صحة خبر وفاة مريضه الشاعر محمود درويش فى «هيوستن»بأمريكا، حيث كان يجرى جراحة فى القلب.. أعلن «الشيبانى»أن «قرارا اتخذ بالتشاور بين الأطباء وأسرة الشاعر بنزع أجهزة الإنعاش عنه، بعدما تبين استحالة عودة أعضائه الحيوية إلى طبيعتها».
 
هكذا توفى محمود درويش يوم 9 أغسطس «مثل هذا اليوم 2008»، ورصدت وسائل الإعلام العربية والعالمية الحدث الحزين «كما يليق برئيس دولة أو نجم كبير»، وفقا لوصف الكاتب اللبنانى «بيار أبى صعب» بجريدة «الأخبار اللبنانية» فى ملفها الخاص عن رحيله، وتدفقت التغطيات الإعلامية كما يليق بشاعر يراه محمد دكروب: «واحدا من كبار شعراء العالم،يضىء بملامح أشعاره الفلسطينية وعمقها دنيا الشعر فى هذا العالم الواسع».
 
وفى رأى الشاعر والكاتب اللبنانى بول شاؤول:«يكاد يكون الشاعر العربى الوحيد الذى لم ينته عند أعماله الأولى، ولكنه أعطى أهم ما عنده فى مرحلة النضج،أى فى تلك المرحلة التى زاوج وآخى قلقه حول القضية، مع قلقه حول الشعر، أى قلقه حول القضية التى استلهم منها الشعر، وقلقه حول الشعر الذى بات عنده قضية، وهذا مهم لأن معظم الشعراء العرب تكون أعمالهم الأولى أهم ما يكتبون وبعدها يتعبون.. محمود درويش هو المتفرد فى أنه مات فى عز تدفقه، وفى عز نضارته، وفى عز قلقه، وفى عز صفائه، من دون أن يحدث قطيعة بينه وبين الشعر النضالى، والشعر المقاوم وشعر القضية الفلسطينية، بحيث تمازجا كالهواء».
 
ويراه عبدالرحمن الأبنودى «شاعر فذ يستحق شعره ويستحق شخصيته، وشعره سبق أشعارنا»، ويصفه الكاتب الروائى خيرى شلبى: «عنده لا انفصال بين الشعر والشاعر، هو الشعر، والشعر هو.. وهو يوضع فى صف واحد مع أعظم شعراء المقاومة فى العالم.. المقاومة هنا ليست ذلك المعنى الضيق المحصور فى مقاومة المحتل الأجنبى وأذنابه، إنما هو شعر يحقن المتلقى بإكسير القوة والنبالة والإنسانية التى لا ينبغى أن تموت بأى حال من الأحوال.. وأنت بعد قراءتك لمحمود درويش تشعر أن شيئا كبيرا قد أضيف إليك، تشعر بأن قامتك تتصاعد مع الشعر إلى ما يشبه الإسراء والمعراج، حيث ترى ما لم تكن تحلم بالسفر إليه».. «مجلة الهلال- لن تغيب- عدد خاص سبتمبر 2008».
 
كان خبر موته مناسبة لاستدعاء فيض من ذكريات الأصدقاء، وفيها قصته مع الشعر، والموت والحياة، والنضال، والسجن، والحب، والحرب، ويجمع كل ذلك عنوان واحد هو «سيدة الأرض، كانت تسمى فلسطين، صارت تسمى فلسطين».. فلسطين التى ظلت جرحه الدائم وعنوانه المقيم فى قلبه ولغته..يتذكر مأساة طرده منها قائلا فى حديث نشرته مجلة الآداب البيروتية فى إبريل 1970:
«أذكر نفسى عندما كان عمرى ست سنوات «مواليد 13 مارس 1942»، كنت أقيم فى قرية جميلة وهادئة،هى قرية البروة الواقعة على هضبة خضراء ينبسط أمامها سهل عكا، وكنت ابنا لأسرة متوسطة الحال عاشت من الزراعة، عندما بلغت السابعة توقفت ألعاب الطفولة..أذكر كيف حدث ذلك، أذكر ذلك تماما: فى إحدى ليالى الصيف التى اعتاد فيها القرويون أن يناموا على سطوح المنازل،أيقظتنى أمى من نومى فجأة، فوجدت نفسى مع مئات من سكان القرية أعدو فى الغابة، كان الرصاص يتطاير فوق رؤوسنا، ولم أفهم شيئا مما يجرى، بعد ليلة من التشرد والهروب وصلت مع أحد أقاربى الضائعين فى كل الجهات إلى قرية غريبة ذات أطفال آخرين، تساءلت بسذاجة أين أنا؟ وسمعت للمرة الأولى كلمة لبنان.. يخيل إلى أن تلك الليلة وضعت حدا لطفولتى بمنتهى العنف، فالطفولة الخالية من المتاعب انتهت، وأحسست فجأة أننى أنتمى إلى الكبار».
 
كان حظى أنا وصديقى الصحفى الراحل مجدى حسنين، أن نسهر معه والشاعر سميح القاسم فى جلسة ليلية امتدت أكثر من ثلاث ساعات عام 1988 فى فندق شبرد أثناء مؤتمر «حماية المقدسات الفلسطينية»، ولما سألته عن سر قصيدته الرائعة «أحن إلى خبز أمى»، كشف أنه كتبها أثناء سجنه لأول مرة فى سجون الاحتلال الإسرائيلى، وكتبها كاعتذار لأمه «حورية» بعد أن زارته، وكان يظن قبلها أنها لا تحبه، ومع حضنها شعر بحبها الكبير له.
 
يكشف صديقه الكاتب خيرى منصور فى مقاله «الغزال والزلزال» بمجلة الهلال: «كان يعانى فى بعض الليالى من وضع المفتاح فى قفل الباب بحيث ينزعه.. ثم يعود ليضعه، والهاجس هو باختصار خوفه من أن يموت وحيدا فى الليل، ولا يعلم بذلك إلا بعد أيام، إنها فوبيا صاحبته منذ رحيل الشاعر معين بسيسو فى أحد فنادق لندن «1984»، حيث بقى ميتًا ليومين، لأنه وضع على باب غرفته لائحة مكتوبا عليها «الرجاء عدم الإزعاج».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة