تلقت محطة الاستقبال الرئيسية لشبكة الاتصالات اللاسلكية ببرج الجزيرة بالقاهرة، رسالة من فرع الشبكة ببنى غازى فى ليبيا.. فى الصباح المبكر يوم 1 سبتمبر «مثل هذا اليوم» 1969، حسبما يؤكد فتحى الديب فى كتابه «عبدالناصر وثورة ليبيا» عن «دار المستقبل العربى- القاهرة»، مضيفا «احتوت الرسالة على أن عامل اللاسلكى بالمحطة أبلغ عن حضور أحد الضباط الليبيين إلى مبنى المحطة، ليطلب منه إرسال برقية عاجلة إلى الرئيس جمال عبدالناصر باسم قائد الثورة الليبية ليبلغه بنجاحه هو وزملاؤه فى الاستيلاء على السلطة، وإحكام سيطرتهم على الأوضاع على امتداد الأراضى الليبية لصالح الشعب الليبى، وأنهم يطالبون عبدالناصر بالوقوف إلى جانبهم».
كان «الديب» هو المسؤول عن ملف حركات التحرر العربية فى رئاسة الجمهورية، ويؤكد: «خلت الرسالة من اسم قائد هذه الثورة أو أى شخص من مفجريها»، ويضيف: «تم إبلاغ الرسالة فورًا إلى الرئيس عبدالناصر الذى آثر التريث حتى تتجلى الصورة، خاصة أنه كانت هناك شائعات كثيرة قد ترددت عن احتمال قيام العميد عبدالعزيز الشالحى بانقلاب عسكرى يهدف للسيطرة على الوضع لصالح أمريكا».
وفيما يروى «الديب» الوقائع على هذا النحو، يؤكد سامى شرف مدير مكتب الرئيس جمال عبدالناصر، فى الجزء الرابع من مذكراته «سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر»، أن مندوب جريدة الأخبار المصرية فى طرابلس محمود هريدى كان أول من علم بوقوع التغيير ليلة الفاتح من سبتمبر 1969، وأبلغ بها القائم بالأعمال المصرى هناك، وقام بإرسال برقية للقاهرة، وكان مندوبا المخابرات العامة أحدهما فى إجازة فى القاهرة، والآخر عاد لانتهاء مهمته فى ليبيا، وهما أحمد صوار وأحمد كامل العشماوى». يضيف شرف: «كانت هذه هى الصورة المتاحة لنا فى القاهرة، ولم تكن توفرت لدينا معلومات تفصيلية عن القائمين بالتنفيذ وشخصياتهم»، ويكشف: «فى الساعة السابعة من مساء اليوم الأول من سبتمبر 1969 حضر آدم حواز- أحد الضباط الذين قاموا بالتغيير إلى مقر السفارة المصرية فى بنغازى، وطلب من القائم بالأعمال نظرا لوجود السفير أحمد رياض فى القاهرة، طلب إبلاغ القاهرة رسالة نصها: «نرجو إبلاغ الرئيس جمال عبدالناصر فورا برسالة باسم قائد الثورة الليبية بنبأ استيلاء الجيش على السلطة، وأن الأوضاع فى جميع البلاد مستقرة، وتم إحكام السيطرة عليها لصالح الشعب الليبى، والمطلوب دعم وتأمين الجمهورية العربية المتحدة» مصر «العاجل».
يضيف شرف: «سأله القائم بالأعمال: من أنتم؟ فأجاب: نحن فلان وفلان، وعدد بعض أسماء القادة الجدد برتبهم وأقدمياتهم، فاتصل القائم بالأعمال بى اتصالا مباشرا ومشفرا يربط السفارة بالرئاسة بالقاهرة، وأرسل كل البيانات التى حصل عليها، وأضاف إليها طلب النظام الجديد بالتأييد، فقمت بإبلاغ الرئيس عبدالناصر وكان قراره: عقد فورا مؤتمرا تليفونيا «بالاتصال تليفونيا لدواعى السرعة» مع أعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى، ومحمود رياض وزير الخارجية وشعراوى جمعة وزير الداخلية، وأمين هويدى المشرف على المخابرات العامة» وقال عبدالناصر لشرف: «وتشرح لهم الموقف وتسجل رأيهم، ماذا يجب لمصر أن تتخذه».
يؤكد شرف: «كانت هذه التعليمات فى حوالى الساعة الثامنة مساء يوم أول سبتمبر» ويقول: «بالفعل قمت بتنفيذ تعليمات الرئيس، وكانت لدينا شبكة اتصالات حديثة جدا ومؤمنة ولا تسمح بالتداخل فيها، تم إعدادها بحيث تسمح بعقد مثل هذه المؤتمرات التليفونية مع أكثر من طرف فى وقت واحد، فاتصلت بالجميع، ووافقوا على تأييد النظام الجديد دون تردد فيما عدا الدكتور محمود فوزى الذى قال بالإنجليزية: «فلننتظر إلى الصباح»، أما أمين هويدى فرأى انتظار المزيد من المعلومات عن هوية القائمين بالتغيير، ثم نتخذ قرارنا مع ميله للموافقة من ناحية المبدأ».
أبلغ «شرف» الرئيس عبدالناصر بما انتهى إليه المؤتمر التليفونى، ويذكر: «كان قد حضر إلى مكتبى فى نفس الوقت، الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية وفتحى الديب وشعراوى جمعة وزير الداخلية وأمين هويدى، وبشير المغيربى، وكان من قيادات جماعة وطنية ليبية لها علاقة سرية بمصر وتسمى «جماعة عمر المختار»، وكان موجودا فى القاهرة فى هذا اليوم»، يضيف شرف: «بدأنا فى متابعة تطورات الموقف وتحليل المعلومات التى ترد تباعا سواء من سفارتنا فى بنغازى أو من المخابرات العامة أو الإذاعات الخارجية ووكالات الأنباء، ولم تزد هذه المعلومات عن البيان الذى بثته الإذاعة الليبية والصادر عن مجلس الثورة، بأن هدف الثورة هو القضاء على الأوضاع الفاسدة لصالح الشعب الليبى، بالإضافة إلى بيان بتعيين العقيد سعد الدين أبوشوير رئيسا للأركان العامة للجيش الليبى».
وتواصلت الأحداث إلى اليوم الثانى.