من الممكن أن يكون قد صادفك ذات يوم فى الفترة الماضية، خلال مطالعتك لإحدى الصحف أو المواقع الإخبارية، مصطلح باسم مبادرة «الحزام والطريق» للصين أو طريق الحرير الجديد أو الحزام الاقتصادى لطريق الحرير أو طريق حرير القرن الـ21، فكل تلك المصطلحات ما هى إلا مسميات مختلفة لمبادرة صينية تهدف تحقيق التنمية المستدامة فى الصين والعالم.
إذا كنت ممن صادفهم تلك المصطلحات، فهذا التقرير سيذكرك بما صادفته أو لمحته من قبل عن المبادرة الصينية، أما إذا كنت تقرأ ذلك الأمر لأول مرة الآن، فسيخبرك هذا التقرير عما هى تلك المبادرة وما علاقة مصر بها، فهذا ليس تقريرا عن أمر دولى لا يخص سوى المهتمين بالشؤون الدولية، ولكنه تقرير عن أمر محلى %100 معرفته تخص كل مواطن مصرى بل كل من فى الشرق الأوسط بأكمله.
انطلاق مبادرة "الحزام والطريق"
مبادرة «الحزام والطريق» أو طريق الحرير الجديد، سيتم الاكتفاء بتكرار هذان المسميان فقط من بين المصطلحات المتنوعة التى تطلق على المبادرة الصينية المذكورة عالياً، حيث إنهما الأكثر انتشاراً فى تسمية مبادرة الصين، التى أطلقت عام 2013 ضمن الرؤية الاستراتيجية لجمهورية الصين الشعبية لإحياء وتطوير طريق الحرير التاريخى، من خلال تعزيز التعاون الاقتصادى والتجارى والثقافى والسياحى للصين بما يحقق تنمية مستدامة لها وللعالم.
وبشرح تفصيلى أكثر، تنقسم المبادرة الصينية إلى طريقين "طريق الحرير البرى"، و«طريق الحرير البحرى»، كما تشمل تلك المبادرة تشييد شبكات من الطرق والسكك الحديدية وأنابيب الغاز والنفط وخطوط الطاقة الكهربائية والإنترنت ومختلف جوانب البنية التحتية.
مصر ومبادرة "الحزام"
بالتأكيد بدأت تتساءل الآن، ماذا يخصنا فى مبادرة للصين ضمن رؤيتها الاستراتيجية؟ والإجابة على ذلك التساؤل تتمثل فى الخطوط الرئيسية الثلاثة التى تستهدفها المبادرة فى طريقها البرى «طريق الحرير البرى»، الذى تظهر مصر فيه بدور كبير علاوة على دول أخرى متعددة، فالخط الأول لطريق الحرير البرى الذى تستهدف الصين تنفيذه، يربط بين شرق الصين عبر آسيا الوسطى وروسيا إلى أوروبا.
أما الخط الثانى، فيبدأ من الصين مرورا بوسط وغرب آسيا ومنطقة الخليج وصولاً للبحر الأبيض المتوسط، فيما يمتد الخط الثالث من الصين مرورا بجنوب شرقى آسيا وآسيا الجنوبية، هذا بجانب عدد من الممرات البرية فى إطار المبادرة، منها «ممر الصين وشبه القارة الهندية»، و«ممر الصين وباكستان».
وعن الطريق الآخر للمبادرة «طريق الحرير البحرى»، فيتكون من خطين رئيسيين، الخط الأول يبدأ من الساحل الصينى مروراً بمضيق مالَقَة إلى الهند والشرق الأَوسط وشرق أفريقيا وصولاً لسواحل أوروبا، فيما يربط الخط الثانى الموانئ الساحلية الصينية بجنوب المحيط الهادئ.
استفادات الدول من مبادرة "الحزام"
بالطبع الآن بدأت تتضح علاقة مصر بالمبادرة الصينية، حيث تظهر تلك العلاقة فى أن مصر إحدى الدول الواقعة على طريق الحرير البرى الخاصة أحد خطوطه بربط الصين بالشرق الأوسط وأفريقيا، ولكن فى أى شكل يتمثل تنفيذ المبادرة الصينية فى كل دولة من الدول الواقعة على طريق الحرير البرى؟ والإجابة هى أن تنفيذ المبادرة يتمثل فى ضخ استثمارات صينية فى كل دولة وتنفيذ بنية تحتية بشكل يخدم ربط الصين بتلك الدولة.
ففى مصر تم اختيار المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتكن هى منطقة تنفيذ المبادرة الصينية، ليس فقط لوجود منطقة قناة السويس كنقطة محورية ضمن المبادرة الصينية «مبادرة الحزام والطريق»، ولكن لأن قناة السويس تعد الجسر الرابط بين طريقى الحرير البرى والبحرى بكل من أوروبا وأفريقيا وصولا إلى الأمريكتين، أى أن قناة السويس نقطة الوصل بين الصين والعالم.
"قناة السويس" كلمة السر فى مكانة مصر
وبوجود قناة السويس أصبحت أهمية مصر فى مبادرة «الحزام والطريق» للصين، لا تقتصر فقط على كون مصر واقعة ضمن خارطة طريق الحرير أو ضمن الدول التى تحرص الصين على الاتصال بها مثل باقى دول العالم، ولكن لأن مصر هى التى ستربط الصين بالعالم بأكمله، فهى حلقة الوصل بين الصين والعالم.
الموقع الجغرافى المتميز لمصر وتحديداً لقناة السويس ومنطقتها الاقتصادية، الذى تدرك جمهورية الصين الشعبية أهميته جيداً، دفع «بكين» لاختيار مصر كنقطة محورية بمبادرة «الحزام والطريق» وليس نقطة اتصال فقط، وهذا ما أكده اللواء محفوظ طه نائب رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس للمنطقة الجنوبية، وهى تلك المنطقة التى تتركز بها الاستثمارات الصينية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
مصر نقطة محورية بطريق الحرير
كما قال طه فى تصريحات لـ«اليوم السابع»: «جاء اختيار الصين لمصر كنقطة محورية فى مبادرة الحزام والطريق لأننا الخيار الأفضل فى كل من أفريقيا والعالم العربى ليس فقط من ناحية الموقع الجغرافى، ولكن لمزايا أخرى تتمتع بها مصر عن غيرها من الدول فى العالم العربى والشرق الأوسط»، لافتا إلى أن الهيئة الاقتصادية لقناة السويس حرصت على إثبات ما تتمتع به مصر عن غيرها من مزايا بالأرقام.
وأضاف: «قمنا بتوفير بيانات من مطور صينى أثبت أن تكلفة الإنتاج فى مصر التى تشمل غاز كهرباء مياه وغيرها تعادل نصف تكلفة الإنتاج بالصين، كما أن العمالة المصرية كثيرة وماهرة، علاوة على أن القوى الشرائية فى مصر مرتفعة»، موضحاً أن ارتفاع عدد السكان فى الدولة لا يعنى ارتفاع القوى الشرائية، فهناك دول يوجد بها عدد سكان مرتفع ولكن القوى الشرائية بها منخفضة.
وأكد نائب رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس للمنطقة الجنوبية، أن الناتج المحلى الإجمالى لمصر بنهاية العام الماضى تجاوز 4 تريليون جنيه، وهو ما يؤكد ارتفاع القوى الشرائية لدينا، لافتاً إلى أن كل هذه المزايا التى تتمتع بها الدولة جعلتها نقطة محورية بمبادرة «الحزام والطريق» والذى أضفى أيضاً للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ميزة بما يساعد فيه من خلق مسارات جديدة للتعاون مع الجانب الصينى وتعزيز فرص تقديم المنطقة لخدمات لوجستية.
ونعلم جيدا أن طريق الحرير ليس مبادرة حديثة أطلقت عام 2013 كما هو مذكور عالياً، بل له تاريخ عريق، حيث تعود بداية طريق الحرير إلى حكم سلالة هان فى الصين قبل حوالى 200 سنة قبل الميلاد، وأطلق عليه هذا اللقب عام 1877 من قبل العالم الجيولوجى الألمانى البارون فرديناند فون ريشتهوفن.
محاولات إحياء الطريق
كان لطريق الحرير دور كبير فى ازدهار العديد من الحضارات القديمة، مثل: المصرية، والصينية، والرومانية، والهندية، والتقاء الثقافات، والتبادل الفكرى، والثقافى، وتعلم اللغات وتقاليد البلدان التى سافروا عبرها، وبحسب أحد المواقع التاريخية التى تعرض الخلفيات التاريخية لبعض الموضوعات، لعب طريق الحرير أيضاً دوراً كبيراً فى نمو العديد من المدن الساحلية حول الموانئ المحاذية للطريق.
وبعد توقف الخط الملاحى لـ«الحرير» مع حكم العثمانيين فى القسطنطينية، ظهرت محاولات لإحياء طريق الحرير فى بداية التسعينيات بإنشاء طريق الحرير الجديد، عرف من بينها الجسر البرى الأوروبى الآسيوى الذى يصل بين كل من: الصين، وروسيا، ومنغوليا، وكزاخستان، ويصل إلى ألمانيا بسكك حديدية، حتى أطلقت الصين عام 2013 مبادرة «الحزام والطريق»، التى لاقت تجاوباً ومشاركة واسعة من نحو 70 دولة مطلة على هذا الطريق، فى مقدمتها دول الشرق الأوسط.
وكان طريق الحرير، سمى بهذا الاسم، لوجود مجموعة من الطرق البرية والبحرية المترابطة مع بعضها البعض، التى كانت تسلكها السفن والقوافل بين الصين وأوروبا لتجارة الحرير الصينى بشكل أساسى، وتجارة العطور، والبخور، والتوابل، ويبلغ طوله حوالى 12 ألف كيلو متر، حيث يمتد من المراكز التجارية فى شمال الصين وينقسم إلى فرعين، الفرع الشمالى يمر عبر شرق أوروبا والبحر الأسود، وشبه جزيرة القرم وصولاً إلى البندقية، والفرع الجنوبى يمر عبر سوريا وصولاً إلى كل من مصر وشمال أفريقيا، أو عبر العراق وتركيا إلى البحر الأبيض المتوسط.