يعد عماد الدين زنكى، واحد من أهم القادة العسكريين والحكام فى التاريخ الإسلامى، والذى استطاع حكم أجزاء من بلاد الشام وحارب الصليبيين، وانتصر عليهم، واستعاد أجزاء واسعة من مناطق الشام التى سيطرت عليها الجيوش الصليبية.
وكان أبوه مملوك السلطان ملكشاه السلجوقى، ولاه الخليفة المسترشد سنة 516 هـ على الموصل بعد موافقة السلطان محمود ابن السلطان محمد بن ملكشاه، وفى سنة 521 هـ ملك حلب بتوقيع السلطان محمود واستولى على (الرحبة) و(الجزيرة الفراتية) وفتح الرها سنة 539 هـ، وكان يحتلها الصليبيون بزعامة (جوسلان)، وفى عام 541هـ توجه إلى قلعة (جعبر) على نهر الفرات فى بلاد الشام وحاصرها.
وتمر اليوم ذكرى رحيل عماد الدين زنكى الـ872 مقتولا داخل خيمته فى إحدى الليالى، بعدما قتله خادمه وهو راقد على فراشه ليلا، ودفن بصفين، ويبقى لغز قتل ذلك القائد العظيم من الألغاز، التى ربما لم تصل إلى رواية واحدة مؤكدة حول الدافع وراء قتله، وخلال السطور التالية ربما نوضح أبرز الروايات التاريخية عن دفعت خادم عماد الدين زنكى بقتله.
بحسب كتاب "قصة الحروب الصليبية" للكاتب الدكتور راغب السرجانى، فإن الجريمة التى تعد علامة استفهام كبيرة فى التاريخ الإسلامى، اختلف عليها المؤرخون فى القديم والحديث على أسبابها، وتذكر بعض هذه الروايات أن السبب كانت نتيجة تهديد عماد الدين زنكى للخادم فى بداية نومه، لأنه كان يرفع صوته أكثر مما ينبغى عند نوم عماد الدين زنكى، فخاف الخادم من هذا التهديد فقتله.
ويرى "السرجانى" أن هذا الاحتمال ضعيف من وجهة نظره، وذلك كون الخطأ الذى ارتكبه الخادم ليس بالذى يخشى عاقبته، كما أن زنكى اشتهر بتعامله برحمة ورأفة، ولم يذكر عنه قط أنه ضرب خادما أو آذاه.
ويرى الكتاب بأنه ربما هناك ثلاثة احتمالات لن تخرج عن السبب الذى قتل من وراءه القائد المسلم الكبير، وهى أسباب خارجية أثرت فى الخادم واستغلته لتحقيق مآربها.
الاحتمال الأول: يرجح بعض المؤرخين أن يكون هناك أصلا أوربيا للخادم، فقد كان من المماليك، فلعله كان يحقد حقدا كبيرا على عماد الدين زنكى، لانتصارته المتتالية على الصليبيين، خاصة بعد انتصاره الأخير وإسقاط أمارة الرها، فانتقم لقومه بقتله.
الاحتمال الثانى: أن يكون الخادم باطنيا، تلك الطائفة الشيعية التى اشتهرت وتخصصت فى الاغتيالات الكبرى، ولا يخفى على أحد مدى تأثر الباطينة بجهد زنكى ونشاطه، الذى كان قامعا للفساد ومحاربا للجريمة، ناشرا للعدل، إضافة إلى كونه زعيما سنيا متمسكا بالشرع.
الاحتمال الثالث: وهو الأقرب للمؤلف بحسب وصفه، أن يكون هناك اتفاق بين الخادم وبين زعيم قلعة جعبر المحاصرة فى ذلك الوقت، وهو عز الدين بن مالك العقيلى، وقد يكون أغراه المال أو الإقطاع أو المنصب، ويقف مع هذا الاحتمال دليلين الأول: هو أن الخادم أسرع فورا إلى القلعة بعد قتل عماد الدين زنكى يبشرهم بالجريمة، أما الدليل الثانى: هو ما نقله ابن العديم من حوار دار بين زعيم القلعة عز الدين على بن مالك وحسان البعلبكى زعيم منبج، عندما سال الأخير عن الذى ينجيه من حصار عماد الدين زنكى، فرد الأول هو قتله.