أزمة مواقع السوشيال ميديا لم تعد مجرد انتقادات حول إدمان الناس لها، بل أصبحت سياسية أيضا فى عصر ترامب، بين اتهامات للمواقع من معارضى الرئيس الأمريكى بتسهيل انتشار الأخبار المزيفة على المواقع وبين اتهامات مؤيدى ترامب بأن السوشيال ميديا انحازت للديموقراطيين.. وبين المطرقة والسندان صعدت نغمة جديدة هل تضرب الحكومة الأمريكية مواقع التواصل الاجتماعى بيد القانون وتحجم دورها مستقبلا.. وإن كان هذا صحيحا فكيف سيحدث هذا؟
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اتهم بالفعل موقع تويتر بممارسة "الحظر الخفى" على السياسيين الجمهوريين من حزبه قبل انتخابات الكونجرس، متوعدا بالرد.. وبعدها بأسابيع قليلة أعلن تويتر الانضمام لفيسبوك ويوتيوب وماى سبيس وأبل فى حجب ظهور الإعلامى أليكس جونز - المعروف بانتمائه لليمين المتطرف وإن كان يقدم برامجه فى صورة نظريات مؤامرة وتمثيل وليس تقارير سياسية حقيقية- مع ذلك كان جونز السبب فى حصد ترامب ملايين الأصوات فى الانتخابات الأمريكية، وهذا جعل العديد من المدونين اليمينيين على مواقع التواصل الاجتماعى يتحدثون عن عملية استهداف منظم لهم.
هنا تصاعدت أراء حول "تقنين" آلية عمل السوشيال ميديا، حيث اقترح المعلق السياسى ديفيد كولين أن الولايات المتحدة ستتجه فعلا لوضع قوانين تقيد عمل وسائل التواصل الاجتماعى وتحولها من مجرد شركات فى وادى السيليكون إلى "أدوات خدمية للقطاع العام".. هذه العبارة أقرب ما يكون لاستخدام مصطلح "التأميم" فى أمريكا.. ولكن بدون نزع ملكية فيسبوك من مارك زوكربيرج لتستولى عليها الحكومة الأمريكية مثلا.
مارك زوكربيرج فى الكونجرس
ولكن بما أن الكونجرس الأمريكى دخل فى مرحلة لجان الاستماع والتحقيق مع رؤساء فيسبوك وتويتر فإن السيناريو الأخطر على هذه الشركات ربما يكون استخدام سابقة فى التاريخ الأمريكى لم تحدث إلا فى عهد "تيودور روزفلت" نفسه، وهى وسيلة "التكسير".
الاحتكار والتكسير
فى القرن التاسع عشر كانت أمريكا على موعد مع ازدهار اقتصادى وتكنولوجى على يد عمالقة الاستثمار منهم كورنيليوس فانديربيلت الذى بنى أغلب خطوط السكة الحديدية بأمريكا فى الوقت الذى لم يكن العالم فيه يعرف ما هو التليفون أصلا.. بذلك كان الشخص الذى يتحكم فى البضائع والأشخاص الذين ينتقلون من ساحل أمريكا الشرقى للساحل الغربى، وبدأ فى فرض أسعار شحن مرتفعة كما يحلو له، كما عمل على تدمير أى منافسة من جانب الشركات الأصغر حجما.
فانديربيلت
وزاد الأمر سوء عندما حاول الركاب وأصحاب الأعمال الاعتراض فما كان منه سوى إيقاف كل القطارات فى أمريكا، باعتباره صاحب الملكية الوحيد لها ويقوم بتشغيلها كما يريد وبالفعل نجح فى افلاس الشركات المنافسة وقام بشرائها.
ودخل مستثمر جديد السوق وقتها أيضا هو جون دى روكفيلر الذى اشترك مع فانديربيلت فى إدخال الكيروسين للسوق الأمريكى بحيث يمكن نقله فى القطارات وتوصيله للاستخدام المنزلى لإضاءة المنازل أو حتى إضاءة الشوارع ليلا.. وكانت فى البداية شراكة ناجحة.. روكفيلر ينتج الكيروسين وفانديربيلت يقوم بشحنه، حتى أصبح روكفيلر يسيطر على 90% من شركات الكيروسين.
روكفيلر
ثم اختلفا على الأسعار فما كان من روكفيلر سوى بناء خطوط الغاز حتى ينقل منتجاته بعيدا عن فانديربيلت، وكون امبراطورية خاصة بحيث إذا لم يدفع أى عميل السعر المطلوب فلن يصله الوقود، أيا كان السعر الذى يطلبه روكفيلر.
وبسبب تدمير المنافسة كانت بدأت حركة فى الكونجرس لتمرير قوانين منع الاحتكار.. وإن كان لم يتم تنفيذ القوانين على أرض الواقع، حتى جاء تيودور روزفلت المعروف بمعاداته لرجال الأعمال المحتكرين، وتولى الرئاسة بعد اغتيال سلفه وليام ماكينلى.
كاريكاتير قديم حول صراع روزفلت مع الشركات الكبرى
وبمجرد وصوله للحكم بدأ فى رفع عدة قضايا على رجال الأعمال المحتكرين وتطبيق قوانين منع الاحتكار الموجودة بالفعل والى كان يتم تجاهلها.. ولكن بدلا من مصادرة أموال الشركات أو تأميمها وتحويل ملكيتها للدولة، قام روزفلت بتكسير الشركات الكبيرة بحيث تتحول الشركة لعدة شركات أصغر حجما ولا يتحكم فيها شخص واحد، بينما المالكين القدامى المحتكرين يملكون حصص أصغر حجما فى كل هذه الشركات ولا يديرونها كلها معا.
وفى 1911 كانت الضربة الكبرى لشركة "ستاندارد أويل" المملوكة لروكفيلر وتحولت من عملاق البترول لعشرات الشركات الصغيرة.
إذا الأساس القانونى موجود، ولكن هل يتخذ ترامب الخطوة؟
مؤيدى ترامب حاليا يرسمون التشابه بين الشركات العملاقة القديمة الصناعية وبين مواقع التواصل الاجتماعى التى تحجب وتروج للأفكار والأشخاص على مزاجها، وحتى بيان تويتر فيما يتعلق بحجب أليكس جونز كان يقر بأن "رؤساء الشركة يحاولون العمل بدون ترك أرائهم السياسية تؤثر على ما يقومون بحظره" وهو اعتراف بوجود انحياز وإن كانوا يحاولون تجنبه.. بهذا يمكن القول أن هذه الشركات العملاقة تتصرف كما يحلو لها وتفرض قواعد حسب مزاجها ولا تستخدم قاعدة واحدة على جميع المستخدمين.
بحسب صحيفة الإندبندنت فإن ترامب لديه حليف دولى لاستهداف الشركات الكبرى فى مجال السوشيال ميديا، وهذا الحليف هو الاتحاد الأوروبى الذى أعلن عن غرامات ضخمة على جوجل.. والأكثر من هذا أعلنت المفوضية الأوروبية الخاصة بالمنافسة، مارجريت فيستاجر، عن تأييدها لفكرة تكسير شركة "ألفابيت" المالكة لجوجل لعدة شركات بحيث يتم الفصل بين جوجل وبين يوتيوب وبين أنظمة التشغيل للموبايل "الأندرويد" لتحويلها لعدة شركات أصغر حجما ولا تسيطر على الانترنت.
ترامب وجوجل
بحسب موقع "أتلانتيك" فإن ترامب نفسه اتهم جوجل بالتحيز ضده بنشر أخبار سلبية عنه، لذا التحالف مع جبهة دولية موجود، ولكن الذى يعيق هذه الخطوة حاليا هى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس والتى ستكون فى نوفمبر المقبل، ما يعنى أن أى تحرك سياسى ضد المواقع العملاقة سيكون بعد الانتخابات حتى لا يثير ذلك أزمة يستغلها خصوم ترامب من الديموقراطيين بدعاية أن "تحطيم الشركات" سيؤثر على الديموقراطية والاقتصاد، ومن جهة أخرى حتى لا يكون هذا زريعة لنشر مزيد من الأخبار السلبية عن ترامب وقت الانتخابات التى يريد الفوز فيها بشدة كون حزبه يملك أغلبية طفيفة 51 مقعدا أمام 49 مقعدا للديموقراطيين.
وعلى الأغلب سيكون التحرك ضد "فيسبوك" و "جوجل" لكونهما الشركتان المسيطرتان ليس فقط بسبب حجم عدد المستخدمين بل أيضا بسبب امتلاكهما لتطبيقات ومواقع أخرى فرعية، فجوجل يملك أندرويد ويوتيوب و"يوتيوب ريد"، بينما فيسبوك يملك "انستجرام" و "واتساب".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة