تركت الدولة الإسلامية فى عهد الخلافة العثمانية، الكثير من الآثار التى تذكرنا بدولة كبيرة مترامية الأطراف لما شملته من دول تحت حكمها فى مختلف قارات العالم، ولمسات الدولة العثمانية فى العمارة ووسائل النقل والرى وغيرها من معالم الحياة لازالت باقية شاهدة على تلك الحضارة التى وإن زال حكمها ببطشه وظلمه وطغيانه، إلا أن آثارها بقيت فى كل بقعة من بقاع الأرض.
ومن ضمن ما خلفته الدولة العثمانية وراءها قبل زوالها وتفتتها، بقايا خط السكك الحديدية الذى بناه السلطان عبد الحميد الثانى، وكان القطار يمر من إسطنبول عبر الشام إلى مكة لنقل الحجاج والبضائع عام 1900، حيث أصبح خط سكك حديد الحجاز بمثابة قلب العالم الإسلامى النابض والذى كف عن النبض بعد تعرضه إلى الكثير من الأضرار والتخريب خلال الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين.
خط سكة حديد تركى معطل منذ 101 عام
وفى عام 1917 كتبت كلمة النهاية فى حياة هذا الخط الحديدى، وذلك بعد تنفيذ مخطط توماس إدوارد لورنس الذى اشتهر بـ"لورنس العرب"، بعدما انضم إلى الثوار العرب وحرضهم على نسف الخط، ومنذ ذلك الوقت لم تفلح المحاولات لإعادة تشغيل الخط أو تحديثه.
وتوماس إدوارد لورنس، الذى ولد فى 16 أغسطس 1888، وتوفى فى 19 مايو 1935، هو ضابط بريطانى اشتهر بدوره فى مساعدة القوات العربية خلال الثورة العربية عام 1916 ضد الدولة العثمانية عن طريق انخراطه فى حياة العرب الثوار، وعرف وقتها بـ"لورنس العرب"، وقد صور عن حياته فيلم شهير حمل اسم "لورنس العرب" عام 1962، وقد قال عنه ونستون تشرشل "لن يظهر له مثيل مهما كانت الحاجة ماسه له".
ضابط المخابرات الإنجليزى توماس إدوارد لورنس
وبرز دور "لورنس"، عندما قامت الحرب العالمية الأولى، وأعلنت الدولة العثمانية الحرب على إنجلترا، وفى هذه الأثناء كانت الدولة العثمانية تعانى من كراهية العرب لحكمها نتيجة التفرقة بين الأتـراك والعرب والظلم والقهر الذى مارسه الأتراك فى هذا الشأن، وهنا سعت إنجلترا للاستفادة من إمكانياتها فى المنطقة لتحقيق نصر فى الحرب، فاستدعى السير "جليبرت كلايتون"، لورنس بعد أن ذاع صيته كعالم آثار إلى مكتبه بمقر القيادة العليا للجيوش البريطانية فى القاهرة، وأمر بتعيين لورنس فى قسم الخرائط.
توماس إدوارد لورنس فى الزى الرسمى
وكانت هذه هى الفرصة الوحيدة للتثبت من صحة الخرائط بالواقع، حيث ظهرت عبقرية لورنس فى هذا المجال، كما امتدت آراؤه للخطط العسكرية فى هذا الشأن، فنقله كلايتون إلى قسم المخابرات السرية، وكان لورنس يحفظ المواقع التركية عن ظهر قلب مما ساعد الإنجليز كثيرًا، إضافة إلى هذا استغل لورنس علاقاته بالعرب لإيهامهم أنه يريد مساعدتهم لمواجهة النفوذ التركى وقد ساعدته معرفته باللغة العربية لإضافة مصداقية له فى هذا الشأن.
وخلال الحرب، وبعد احتلال العقبة، سعت القوات التركية بشتى الطرق محاولة استعادة هذا الميناء المهم، فدفعت بتعزيزاتها صوب العقبة وجرت مواجهات عنيفة انتهت بهزيمة القوات التركية وانتصار الثوار، خصوصا بعد أن نجح لورنس فى استجلاب دعم الطيران الإنجليزى من الجنرال اللنبى ووصول الطائرات البريطانية إلى العقبة، وكانت أشد هذه المواجهات فى منطقة أبو اللسن شمال العقبة.
لورنس العرب
لورنس فى الزى العربى
كما نفذ لورنس لاحقًا خطة فى مواجهة القوات التركية معتمدًا فى ذلك على القوات العربية الثائرة، التى هاجمت "الطفيلة"، وبعد مناوشات مع القوات التركية وتبادل النصر والهزيمة، نجحت القوات العربية فى احتلال "الطفيلة" فى عام 1918، كما نجح لورنس فى قطع خطوط مواصلات الجيش التركى عبر البحر الميت.
لورنس فى الزى العسكرى
لورنس ينضم للثورة العربية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة