"على" و"مانكوت" و"فلورنس"، أسماء 3 عواصف شديدة ضربت أماكن متفرقة على الكرة الأرضية خلال الربع الأخير من العام 2018، فالأول كانت ضحيته بريطانيا، والثانى مر على الصين وهونج كونج والفلبين، أما الأخير فكان من نصيب الولايات الساحلية على الجانب الشرقى من الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن علامات الحيرة التى تفرضها الأعاصير والعواصف المدمرة كل عام على المواطنين من غير المتخصصين حول العالم، الأسماء التى تطلق على تلك الظاهرة الطبيعية، خاصة وأن بعضها يطلق عليه أسماء أشخاص سواء من الرجال أو النساء، هذا إلى جانب تفضيل بعض الدول تسمية العواصف بأسماء حيوانات أو كلمات ذات دلالة خاصة لدى شعوب تلك البلدان.
خسائر فادحة فى الولايات المتحدة بسبب الإعصار "فلورنس"
وعلى مدار الأسابيع الماضية وحتى يومنا هذا، كان العالم على موعد مع 3 أعاصير قوية، الأول عرف باسم "فلورنس"، وهو إعصار ضرب ولاية "كارولينا" الشمالية، فى الساحل الشرقى لأمريكا، وخلف ورائه قتلى وخسائر بمليارات الدولارات، ما دفع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لمناشدة المواطنين الأمريكيين بالمساهمة فى دعم جهود الإغاثة لمواجهة الآثار المدمرة للإعصار، وذلك من خلال الصليب الأحمر الأمريكى، وجيش الخلاص، وموارد السامريين، ودعم الإغاثة الحيوانية من خلال ASPCA ، وجمعية الرفق بالحيوان، وملاجئ الحيوانات المحلية".
وقد تسبب "فلورنس"، فى مصرع 31 شخصًا، وإغلاق نحو 1500 طريق فى ولاية نورث كارولاينا، بعد أن تسبب الإعصار فلورنس فى سقوط أمطار قياسية على الولاية وولاية ساوث كارولاينا.
الإعصار "مانكوت" يهز 3 بلدان فى شرق آسيا
ومن بعد هذا الإعصار الذى ضرب القارة الأمريكية، هنالك إعصار آخر هز الصين وهونج كونج والفلبين، وهو الإعصار مانكوت، الذى يُعد أقوى إعصار استوائى، يصيب المنطقة هذا العام، إذ يحمل رياحا تتجاوز سرعتها 200 كيلومتر فى الساعة، وهو ما يعادل الفئة الخامسة وهى الأقوى فى المحيط الأطلنطى.
والإعصار مانكوت صاحبته أمطار غزيرة أدت إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة، منها مصرع قرابة 88 شخصًا، وفقدان 50 آخرين، ووقوع 100 انهيار أرضى معظمها فى منطقة كورديلييرا الجبلية بجزيرة لوزون، فى الفلبين، كذلك أعلنت السلطات المحلية فى هونج كونج بالصين، إصابة 213 شخصًا بسبب الإعصار "مانكوت"، الذى ضرب سواحل البلاد مصحوبًا برياح بلغت قوتها 162 كيلومترا فى الساعة.
والأحد الماضى، قالت سلطات هونج كونج، فى بيان، إن المصابين 117 رجلا و96 سيدة يتلقون العلاج فى المستشفيات العامة هناك، فيما تم إقامة 48 مأوى مؤقتا فى عدة مناطق فى البلاد، مشيرة إلى أنه تم الإبلاغ عن سقوط 179 شجرة وحدوث فيضانات بسبب الأمطار الغزيرة فى 26 منطقة حتى الآن.
"على" اسم إعصار يهدد الأراضى البريطانية
وأخيرًا – حتى الآن – حذرت هيئة الأرصاد الجوية فى بريطانيا، من مخاطر العاصفة "على"، والتى يتوقع أن تجلب رياحًا عاتية تصل سرعتها إلى 120 كم فى الساعة مصحوبةً بأمطار غزيرة، وتهدد تلك العاصفة بتعطيل حركة السفر وانقطاع الكهرباء فى أجزاء من بريطانيا وإيرلندا، بالإضافة إلى إلحاق الضرر المحتمل بالمنشآت والمبانى.
وانتقالًا من التاريخ المعاصر للأعاصير، إلى تاريخ وأصل إطلاق تلك الأسماء، فإنه يجب التركيز على ارتباط الاسم بمدى قوته وتدميره، والتدقيق فيما إذا كان الإعصار المسمى باسم أثنى هو الأضعف أم الإعصار صاحب اسم الرجال، فبالنظر لتاريخ الأعاصير التى تحمل أسماء البشر منذ قرابة 7 عقود، نجد أن الإعصار الذى يحمل اسم أنثى غالبًا ما يخلف دمارًا وقتلى أكبر من نظيره المسمى باسم ذكر، ومن أمثلة ذلك الإعصار "إرما"، الذى بلغت قوته التدميرية أضعاف الإعصار "هارفى"، اللذان ضربا خليج المكسيك وبعض الولايات الأمريكية، والجزر التابعة لدول أوروبية، خلال العام 2017، وكذلك أعاصير أخرى سبقتهما وحملت أسماء إناث منها "كاترينا" و"ساندى" و"جواكين" و"أيرين"، وجميعها كانت مدمرة.
والأعاصير التى هى أشد الكوارث الطبيعية ضررًا وفتكًا بالبشرية، عبارة عن عواصف تتكون فى المحيطات الواقعة فى المناطق المدارية من سطح الأرض، ومن ثم تتحرك فى طريقها باتجاه اليابسة لتضرب أمامها كل شئ، وتعد أكثر خطورة لما تصحبه من أمطار غزيرة ورياح عتية تتسبب فى تدمير وغرق كل ما تضربه تلك العاصفة.
وخلال العام الماضى 2017، ضربت عدة أعاصير متتالية الأراضى الأمريكية، وبعض الجزر التابعة لدول أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وهولندا، وأبرز تلك الأعاصير المدمرة التى وصفها المركز الوطنى للأعاصير بأنها "مهددة للحياة"، إعصار إرما، الذى بلغت قوة الرياح المصاحبه له بسرعات ثابتة تقدر بـ297 كيلو متر/ ساعة، متفوقًا فى قوته على إعصار هارفى، رغم تصنيفه إعصارًا من الدرجة الخطيرة، يليهم إعصار ماريا، الذى وصلت قوة رياحه 260 كيلو متر/ ساعة، ليصنف إعصارًا من الدرجة الخامسة.
سر تسمية الأعاصير بأسماء البشر
ويستوقفنا هنا إلى جانب القوة التدميرية لتلك الأعاصير، سر تسميتها بأسماء البشر، والطريقة التى يتبعها خبراء الطقس لاختيار تلك الأسماء وكيفية تصنيفها، وكذلك التعرف على ما إذ كانت هناك معايير يحدد على أساسها إطلاق اسم مؤنث أو مذكر على الإعصار.
المتعارف عليه أنه فى الماضى، كانت الأعاصير تصنف على أساس خطوط الطول والعرض، إلا أن كثرة الأرقام واختلاطها ببعضها حالت دون التعرف عليها، ما دفع خبراء الأرصاد إلى إطلاق أسماء البشر على الأعاصير من أجل تمييزها عن بعضها وسهولة حفظها للحصول على معلومات بشكل أسرع.
فى بداية الأمر، أطلق خبراء الأرصاد الجوية، الأسماء الأنثوية على الأعاصير وبصورة أبجدية، بحيث يحمل بداية الاسم الإعصار الأول من العام حرف "A"، ويليه "B"، وهكذا، وبدأ المركز القومى للأعاصير فى الولايات المتحدة، بإطلاق أسماء بشر على الأعاصير منذ عام 1953، وذلك مع ولادة الإعصار الأنثوى "أليس".
وفى العام 1953، تخلت اللجنة الدولية للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، عن استخدام الأبجدية بالحروف والأسماء الأنثوية، واستمر ذلك حتى عام 1979، باعتبار أن الكثيرين كانوا يظنون بأن الأعاصير التى تحمل أسماء النساء ليست على قدر كبير من الخطر، وهو ما قد يسبب عددًا أكبر من الضحايا، فيما لم يتم إضافة أسماء ذكورية حتى عام 1979، حين أطلق للمرة الأولى اسم ذكر "بوب" على إعصار فى المحيط الأطلسى.
معايير اختيار أسماء الأعاصير
الجدير بالذكر هنا هو معيار انتقاء الأسماء، فكثيرًا ما نتساءل هل يكون الاختيار على هوى الخبراء فى ذلك الوقت، فمن الممكن أن يطلق خبير مثلًا اسم حبيبته السابقة أو شخص لا يفضله، على إعصار مدمر أو ما شابه، ولكن الحقيقة هى أن أسماء الأعاصير عبارة عن قوائم معدة سلفًا ومرتبة أبجديًا لأسماء ذكور وإناث بالتناوب، موزعة على مناطق متعددة للمحيطات حول العالم، بحيث تستخدم قائمة محددة كل عام، على أن تتكرر كل 6 أعوام، أى أن اسم الإعصار هارفى، سيستخدم مرة أخرى عام 2030.
وتحتوى القائمة على حوالى 160 اسمًا، وإذا كان الإعصار مدمرًا لدرجة كبيرة وأسفر عن وفيات كثيرة، يتم اعتبار اسم ذلك الإعصار مشئومًا فيتم شطبه من القائمة واستبداله باسم آخر من نفس الجنس وبنفس الحرف الأول للاسم المشطوب للحفاظ على التسلسل الأبجدى لقائمة الأسماء.
وتشمل قائمة الأعاصير للعام 2017 عدة أسماء من بينها "بريت"، "أوفيليا" و"فيليب"، والتى من المقرر إعادة استخدامها مرة أخرى العام 2024، باستثناء الأعاصير المدمرة التى سيتم حذف أسمائها تماما من القائمة، ومنها إعصار "كاترينا" و"ساندى" و"جواكين" و"أيرين"، فيما لم يتم الإعلان بعد عما إذا كان سيتم حذف "هارفى" أو "إرما"، من القائمة، ولكن بالنظر إلى "إرما"، فإنه بالفعل أحد أقوى الأعاصير المسجلة على الإطلاق فى المحيط الأطلسى.
كيف تسمى دول شرق آسيا أعاصيرها؟
بعد ذلك قررت بلدان شرق آسيا الابتعاد عن الأسماء الأمريكية، فبدأت تسمى أعاصيرها بنفسها، وألغت الأسماء المستوردة من أمريكا، مثل إعصار تيد، وإعصار فرانكى، وهى أسماء أمريكية أطلقت على الأعاصير الآسيوية بدعوى أنها غير مفهومة لشعوبها، فاستخدمت أسماء حيوانات بدلًا من الأسماء البشرية مثل إعصار "دامرى" ومعناه الفيل فى اللغة الكمبودية، وإعصار "كيروجى"، وهو اسم نوع نادر من البط البرى فى كوريا الشمالية.
وتتضمن القائمة أيضًا أسماء من هونج كونج واليابان ولاوس وماكاو وماليزيا وكوريا الجنوبية والفلبين وتايلاند وفيتنام، وإعصار جونو أو غونو، وهو الإعصار الذى ضرب السواحل العمانية ويعنى "الحقيبة المصنوعة من سعف النخيل" بلغة سكان المالديف الأصليين.
وكذلك تتم تسمية الأعاصير التى تتشكل فى شمال المحيط الهندى من قبل المركز الإقليمى المتخصص للأرصاد الجوية ومقره نيودلهى عاصمة الهند، وذلك بالنيابة عن البلدان الأعضاء فى المنظمة الدولية للأرصاد الجوية المفوضية الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والباسفيك، وهذه هى على النحو الآتى، الإعصار "ليلى" الذى تطور فى المحيط الهندى مقابل ساحل اندرا براديش، والذى خلف الكثير من الدمار، وتمت تسميته من قبل باكستان، والإعصار الذى تلاه كان اسمه "باندو"، وهو اسم أطلقته سريلانكا، كذلك هناك إعصار آخر أطلقت عليه تايلاند اسم "فيت".
من المسئول عن تسمية أعاصير دول شرق آسيا؟
ويذكر أن 8 دول فى شمال المحيط الهندى هى بنجلاديش والهند والمالديف وميانمار وسلطنة عمان وباكستان وسريلانكا وتايلاند، أعدت قائمة بـ64 اسمًا تطلق على الأعاصير الواحد تلو الآخر طبقًا لتلك القائمة، وعندما يضرب إعصار أيًا من تلك البلدان يختار المركز الإقليمى المتخصص للأرصاد الجوية، ومقره نيودلهى، الاسم الذى حان دوره فى القائمة.
وتتناوب البلدان الثمانية فى اختيار أسماء الأعاصير، وآخر 7 أعاصير فى منطقة شمال المحيط الهندى كانت أسمائها والبلدان التى ضربتها، على النحو التالى "نيشا" – بنجلاديش، "بيجلى" – الهند، "إيلا" – المالديف، "فايان" – ميانمار، "ورد" - عمان، "ليلى" - باكستان، "باندو" - سريلانكا، "فيت" – تايلاند، وتشمل قائمة الأعاصير للعام 2017 عدة أسماء من بينها "بريت" و"أوفيليا" و"فيليب"، والتى كان من المقرر إعادة استخدامها مرة أخرى خلال العام 2024، باستثناء الأعاصير المدمرة التى يتم حذف أسمائها تمامًا من القائمة، ومنها إعصار "كاترينا" و"ساندى" و"جواكين" و"إيرين".
الأعصاير المسماة بأسماء الإناث أكثر فتكً
ولعل من الأسئلة الرائجة التى تشغل بال كثيرين بشأن الأعاصير وقوتها التدميرية، أيهما أشد فتكًا الأعاصير التى تحمل أسماء مؤنثة أم تلك المسماة بأسماء الذكور؟، وفى هذا الصدد، نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، دراسة تبين أن الأعاصير المسماة بأسماء مؤنثة تكون أكثر فتكًا من تلك التى تطلق عليها أسماء مذكرة، لأن الناس ينخدعون بأسمائها المرتبطة برقة الأنوثة فيميلون إلى أخذها بجدية أقل، إلا أن ذلك ليس صحيحا من الناحية العملية.
واعتمدت الدراسة فى نتائجها على تحليل المعطيات الأرشيفية لحصيلة قتلى الأعاصير فى الولايات المتحدة، والتى أشارت إلى أن العواصف شديدة الخطورة ذات الأسماء المؤنثة ترتبط بوقوع عدد أكبر من الضحايا على نحو ملحوظ، كما توصل باحثون فى جامعة إلينوى، إلى أن أعاصير المحيط الأطلسى القوية التى لها أسماء إناث، تسببت فى سقوط عدد من القتلى أكثر بـ5 مرات عن تلك التى حملت أسماء ذكور.
وتقول أستاذة التسويق فى جامعة إيلينوى، شارون شافيت، إنه "حينما يحكم الناس على الخطر الذى يمثله الإعصار، فإنهم يطبقون، على ما يبدو، معتقداتهم بشأن كيفية سلوك الرجال والنساء، ليس أكثر"، فى المقابل، واستنادا إلى تحليل أعاصير المحيط الأطلسى بين عامى 1950 و2012 - إذ ضربت 94 منها اليابسة - تبين للباحثين، أن أسماء الأعاصير الأقل شدة لم تمثل فرقا فى قدرتها التدميرية، سواء حملت أسماء مذكرة أم مؤنثة.